سلام قطمة تكتب: رب الأسرة
تحتفل بعض الدول الغربية اليوم بـ "عيد الأب"! كل عام وأنتم بخير يا شباب! نحتفل بعيد آبائنا في الوقت الذي استطاع بعضنا تخطي أزمة غيابهم في طفولتنا وشبابنا!
يلعب الآباء دورًا حاسمًا لا غنى عنه في حياة أبنائهم فوجودهم ومشاركتهم لهما آثار عميقة على نمو الطفل ورفاهه العاطفي ونجاحه بشكل عام. ومع ذلك، فإن غياب الأب يمكن أن يكون له عواقب ضارة تمتد إلى ما بعد الطفولة.
الأب في مجتمعاتنا كان وربما لايزال الحاضر الغائب.. الحاضر الموجود.. يعود مساءاً إلى البيت كالعائد إلى غرفته الفندقية والغائب تماماً عن المشهد العائلي! ذلك الدور تكرسه مجتمعاتنا الذكورية التي تعتبر أن الأب الرجل له دور حاسم كبير في تحديد مستقبل العائلة حيث كل أب يسمى في اللغة العربية الفصحى: "رب الأسرة" والكلمة تعبّر عن معناها ولاداعي للشرح! أما الأم فهي: "ربّة المنزل" وهذا معناه أن لكل أسرة رب، زعيم، هو المتحكم المتصرف الآمر الناهي! ذلك الرب يهتم بالوضع المالي للأسرة وفي المقابل له حرية التصرف في مستقبل الأبناء وهو المسؤول أيضاً عن صنع القرار!
رب الأسرة ليس من شأنه التدخل في صغائر الأمور كتقديم الدعم العاطفي والمعنوي والنفسي للأبناء مثلاً، مشاركتهم في نشاطاتهم واهتماماتهم، السؤال عنهم وتقديم الحب غير المشروط! كل تلك التفاهات هي من مسؤولية ربة المنزل!
يضفي الآباء بُعدًا فريدًا على الأبوة من خلال الرعاية والدعم العاطفي وتساعد مشاركتهم في تعزيز الارتباط الآمن والذكاء العاطفي والتعاطف لدى الأطفال. وغالبًا ما يقدم الآباء أسلوبًا مختلفًا في تقديم الرعاية، ويشجعون الأطفال على استكشاف بيئتهم، والمخاطرة، وتطوير المرونة.
فالأب يلعب دور القدوة! خاصة للأولاد الذكور الذين هم بأمس الحاجة لنموذج رجولي يحتذوا به! وليس ذلك فقط، بل تساعد مشاركة الأب في حياة الأطفال والأبناء في غرس الصفات الأساسية مثل الانضباط، المسؤولية، النزاهة والاحترام.
دور الأب في حياة أطفاله عظيم وكبير جداً، وتقصيره في لعب ذلك الدور قد يلحق الأذى النفسي الدائم للأبناء، ولكن الخبر المفرح هنا أن لعبة الأجيال سوف تؤتي ثمارها قريباً، فالصبية الصغار الذين عاشوا في كنف أب غائب والذين هم ربما في المراحل المتقدمة من رحلة التشافي والتعافي من صدمات الطفولة، قرروا أن يكونوا هم قادة التغيير في الجيل القادم من خلال لعبهم لدور الأب بشكل أفضل مما كان عليه آبائهم.
وتظهر الأبحاث باستمرار أن الأطفال ذوي الآباء المشاركين يميلون إلى الأداء الأكاديمي بشكل أفضل حيث غالبًا ما يقدم الآباء منظورًا فريدًا من خلال تدريب الأبناء على تعلم مهارات حل المشكلات، والفضول الفكري. وتؤثر مشاركتهم بشكل إيجابي على التطور المعرفي للأطفال، مما يؤدي إلى تحسين النتائج التعليمية.
يلعب حضور الأب دورًا مهمًا في الرفاهية الاجتماعية والعاطفية للطفل. فنرى أن الأطفال الذين لديهم آباء مشاركين ثقة أكبر بالنفس، ومهارات اجتماعية أفضل، وعلاقات أكثر صحة بين الأقران. يساهم الاستقرار العاطفي والإرشاد الذي يقدمه الآباء في تقليل مخاطر المشكلات السلوكية والجنوح وتعاطي المخدرات.
للآباء تأثير عميق على مواقف أطفالهم وتوقعاتهم تجاه العلاقات الرومانسية. العلاقة الإيجابية بين الأب والطفل تمهد الطريق لشراكات صحية ومحترمة لاحقًا في الحياة. يمكن أن يؤدي غياب الأب إلى تحديات في تكوين علاقات صحية والحفاظ عليها، فضلاً عن زيادة مخاطر مواجهة صعوبات العلاقة.
ترتبط مشاركة الأب ارتباطًا وثيقًا بالاستقرار الاقتصادي للعائلات. يساهم الآباء الملتزمون والداعمون في دخل الأسرة والأمن المالي. يمكن أن يؤدي غياب الأب إلى زيادة مخاطر الصعوبات الاقتصادية، مما يؤثر على وصول الطفل إلى الموارد، والفرص التعليمية، ونوعية الحياة بشكل عام.
والخلاصة هنا أنه لا يمكن المبالغة في أهمية دور الأب في حياة الطفل حيث يقدم الآباء مساهمات فريدة تؤثر بشكل إيجابي على نمو أطفالهم، واحترام الذات، والتحصيل الأكاديمي، والرفاهية العاطفية. يمكن أن يكون لغياب شخصية الأب الملتزمة والداعمة آثارًا سلبية، مما يؤدي إلى تحديات عاطفية وسلوكية، وصراعات أكاديمية، وصعوبات في تكوين علاقات صحية، وعيوب اجتماعية واقتصادية.
إن إدراك أهمية الآباء وتعزيز مشاركتهم في الأبوة أمر ضروري لرفاه الأطفال والمجتمع ككل. من خلال دعم الآباء في رحلتهم الأبوية وتعزيز بيئة تقدر مشاركتهم النشطة، يمكننا المساعدة في ضمان نتائج إيجابية للأجيال القادمة.