عبد المسيح يوسف يكتب: من يحل أزمة الدولار.. ويعيد الثقة في الجنيه المصري؟
لا تزال أزمة الدولار متعاظمة في مصر، على الرغم من توافره في السوق السوداء بعيدا عن أعين الحكومة، التي ثبت أن طول بقاءه أخل بحلولها الإبداعية للأزمة. الجميع يعاني على مستوى التصريحات من النقص الحاد في الدولار في السوق المصرية، لكن على أرض الواقع الدولار متواجد، لكنه ليس لدي الحكومة، لكنه متواجد في الأوساط الشعبية، بمعني آخر في السوق السوداء، بسبب الفارق الكبير بين السعر الرسمي والسعر الفعلي للتداول في هذه السوق.
الحكومة لم تقدم أي بدائل أو حلول أو مقترحات أو خطوات إيجابية لحل الأزمة، تحولت لحكومة بيروقراطية، في حاجة للتحرك أكثر خارج الصندوق. مصر دولة كبيرة وعظيمة، وتستحق أن تستفيد بقدرات أبناءها ممن برز نجمهم في منظمات وشركات دولية. هذه الحكومة قدمت الكثير من الأعمال والإيجابيات، ولكن حان الوقت إما لأن يتم ترميم الحكومة بقيادات إبداعية على المستوي الاقتصادي والتمويلي والاستثماري من خلال تعديل وزاري للحقائب الاقتصادية والاستثمارية، إما تكليف أو تشكيل حكومة جديدة، تقدم حلولا ورؤية عملية للازمة الاقتصادية، التي لا تعاني منها مصر لوحدها، ولكن حتى الدول الغربية تعاني منها مع اختلاف في الحدة، حتى أن أمريكا وكندا والدول الأوروبية تعاني من هذه الأزمة الاقتصادية العالمية.
لا يجب أن تنتظر مصر، وهي أكبر من هذا أن تنتظر الودائع الأجنبية للدول الخليجية، لأن هذه الودائع لن تكون دون مقابل، حيث أن بعض الدول الخليج لها مطالب للحصول على حصص أو شراء = عدد من الشركات المصرية، وهذا حق لها لا يمكن أن ننكره في إطار قواعد اقتصاد السوق. أما المقولات المغلفة والقوالب القديمة الخاصة بأن مصر تمثل العمق الأمني الاستراتيجي لدول الخليج لم تعد ذات جدوى، لأن دول الخليج تطورت بما فيه الكفاية، لدرجة أنها استغنت عن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد أكثر أهمية عسكريا، كما أن العدو التاريخي لها تم تحييده مؤقتا، ممثلا في الصراع التاريخي والديني بين مع إيران.
مصر، هي الأخرى، يجب أن تبحث عن دوائر علاقات جديدة أو تعيد إحياء دوائر علاقات لم تعد تهتم بها كما كان الحال في الماضي. جزء من حل أزمة الدولار يتمثل في إعادة إحياء علاقات مصر مع الدوائر الأفريقية والمشرق في الصين وروسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا وأمريكا الجنوبية، حيث يمكن التعامل بالعملات المحلية التبادلية مع هذه الدول، بعيدا عن سيف الدولار وقسوته.
أزمة الدولار لن تحل في مصر، طالما أن الحكومة تقيد الجميع، ماذا يعني أن كل مواطن له الحق في سحب 100 دولار فقط، ماذا يفعل أولياء أمور الطلبة الذين يدرسون بالخارج، ويريدون تسديد المصروفات، وماذا يفعل المصريون الذين يريدون تسديد رسوم لجهات أجنبية مثل طالبي الهجرة بالدولار، وهناك أمثلة ونماذج كثيرة، والحكومة تغلق كل الأبواب أمام مواطنيها.
المواطن المصري ذكي، وقادر على التصرف، والحكومة في بعض سلوكياتها لم تنجح في الحصول على ثقته، بل أصبحت أشبه بالمنافس له. ولهذا يلجأ المواطن إلى بدائل أخري كأن يتعامل مع تجار العملة في السوق السوداء، حيث يلجأ المواطن البسيط، ممن يتوفر لديه الدولار لتبديله أو لشراء الدولار، خاصة وأن السعر في السوق السوداء، حتى لو كان مبالغا فيه لمن يشتري الدولار، إلا أنه يحقق مكاسب كبيرة لمن يبيعه.
الحكومة عليها أن تعيد النظر في سياساتها، وعلى الحكومة أن تجد سياسات وحلولا عملية لأن هذا دورها، مع طرح سيناريوهات للمستقبل للتغلب على الأزمة، ماذا عن جلسات الحوار الوطني الاقتصادية والنتائج المترتبة عليها وخطوات تنفيذها؟ وكيف يتم جذب المزيد من الاستثمارات؟ وما هي القطاعات ذات الميزة النسبية لتجذب استثمارات جديدة؟ وما هي مميزات السوق والاقتصاد المصري لتجذب الاستثمارات مقارنة المنافسة الحادة مع الاقتصاديات المجاورة في الخليج وآسيا وأفريقيا؟ ما هي خطط تطوير الصناعة المصرية لزيادة الإنتاج للاستهلاك المحلي والتصدير وترشيد الاستيراد؟ وكيف يتم قياس كل هذا وتعديل الخطط والسياسات بما يتناسب مع متغيرات الأسواق والاقتصاديات والعلاقات الدولية السياسية، وغيرها، خاصة بعد أن ثبت ضعف المبادرات التي اقترحتها الحكومة للم حصيلة دولارية من المصريين في الخارج عن طريق جلب سيارات من الخارج مقابل ودائع دولارية يستردها المواطن من الحكومة بعد سنوات بالعملة المحلية، التي لم يعد أحد يثق فيها، أو شراء أراضي في المدن الجديدة بالدولار.
هناك أزمة ثقة في العملة المحلية، الجنيه، أصبح الكثير يريد التخلص منه، لأنه لم يعد حاملا للقيمة، بل يرون أن التخلص منه في أسرع وقت ممكن سيقلل الخسائر التي ستزيد في المستقبل، مع المزيد من سياسات التعويم وخفض قيمته، الثقة في الجنيه قلت كثيرا، لم يعد عملة أو وعاء قوي للقيمة، يعبر عن مكانة مصر العظيمة، التي تستحق أن تنبؤها إقليميا ودوليا. مصر دولة عظيمة وتستحق أن تتمتع بدرجة مقبولة من الاستقلال المالي، ولا تنتظر ودائع دولارية من دول أخري بدأت تطالب بمقابل، غير مقبول من البعض.
حل الأزمة الدولارية في العقول المصرية المبدعة، التي أثبتت نجاحاتها في مختلف الدوائر الإقليمية والعالمية، وإن لم تكن هذه العقليات المصرية لا تريد أن يكون لها مناصب رسمية حكومة، على الحكومة أن تستشيرهم سواء بصورة رسمية أو غير رسمية للاستفادة من خبراتهم، ومن يرفض على الحكومة أن تعلن أن هذه الشخصيات بعد أن تربت وتعلمت في مصر لم ترد الفضل لمصر، التي تستحق أن ندعمها ونساعدها، لأنها صاحبة فضل علي الجميع داخل مصر ومن هاجر للغرب وحصل على جنسية أخرى.