عبد المسيح يوسف يكتب: تأشيرة الدخول: الوجه الآخر للأزمة السياسية والدبلوماسية بين مصر وكندا
قد تكون هدأت نسبيا الأزمة الخاصة بتأشيرة دخول مصر بالنسبة للمواطنين الكنديين من أصول مصرية، والذين يدور عددهم حول 300 ألف مواطن كندي يحملون الجنسية المصرية. بعد أن كان القرار مكدرا ومجحفا للمصريين ممن يحملون الجنسية الكندية، بضرورة الحصول على تأشيرة قبل السفر لمصر، جاءت تحديثات القرار لتكون أكثر مرونة وتميز بين الكنديين "البيور"، الذي يجب عليهم الحصول على تأشيرة دخول مصر من إحدى السفارات أو القنصليات في كندا أو الخارج.
تحديث للقرار تمييز للكنديين من أصول مصرية
في حين أن الوضع اختلف نسبيا بالنسبة للمواطنين الكنديين الذي يحملون الجنسية المصرية، حيث أصبح يحق لهم السفر ودخول مصر مثل السابق طالما معهم باسبور مصري ساري. لكن لو معهم باسبور مصري منتهي الصلاحية أو بطاقة رقم قومي أو شهادة ميلاد مصرية "باللغة العربية"، هنا يجب عليهم التوجه للسفارة المصرية في أوتاوا أو القنصلية العامة في مونتريال للحصول إما على شهادة باللغة الإنجليزية تصدر في نفس اليوم بأنهم يحملون الجنسية المصرية، يمكن تقديمها لشركات الطيران وفي منافذ الدخول في مصر مع الباسبور الكندي لدخول مصر دون رسوم. لكن من يريد الحصول على تأشيرة فقيمة التأشيرة 150 دولارا صالحة لمدة 6 شهور.
استجابة القيادة السياسية: جهود السفير والقنصل المصري في كندا
بالطبع هناك استياء نسبي، لكن الغالبية ممن هم من أصول مصرية جوازات سفرهم غير سارية، لأن لهم سنوات طويلة هنا لم يجددوا فيها الباسبور المصري، خاصة وأن المعاملات مع السفارة والقنصلية المصرية هنا يشوبها قدر من البطيء، رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها سعادة السفير أحمد حافظ سفير مصر في كندا "أوتاوا"، وسعادة السفير محمد فخري القنصل العام لمصر في مونتريال. مع الأخذ في الاعتبار أن كندا ليست دولة صغيرة، أو حتى في مساحة مصر، بل هي 10 مرات أكبر من مساحة مصر، وهو ما يعني أن الكنديين من أصول مصرية يعيشون في أقاليم كندا العشر، والسفر إلى أوتاوا أو مونتريال مكلفة ويستغرق الكثير من الوقت، بالسيارة أو الطيارة. مع الأخذ في الاعتبار بطيء المراسلات التي تتم بالبريد واحتمال عدم اكتمال الأوراق المطلوبة، وهو ما يزيد من تعطيل الإجراءات، خاصة لمن يريد السفر في ظروف طارئة كظروف وفاة أو غيرها. مع مراعاة أن نقص المعلومات حول الأزمة المصرية الكندية، نتفهم فيه موقف حق التحفظ ومنع الإدلاء بأي تصريحات، لكن من حق المصريين الكنديين، والكنديين البيور أن يعرف سبب الأزمة.
إيصال صوت المصريين الكنديين.. وتعبئة هائلة على شبكات التواصل الاجتماعي
بالطبع القرار السابق الذي أثار ضجة كبيرة بضرورة حصول كل الكنديين بما فيهم ممن هم من أصول مصرية كانت تشوبه شبهة عدم الدستورية، لأنه يمنع مواطنين مصريين من التنقل والهجرة وحرية الحركة.
نعلم أن القيادة السياسية على أعلى مستوي ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، هذا الرئيس الوطني، أولت اهتماما كبيرا بهذا الأمر، مما أدي لإصدار تحديثات للقرار هدأت الأوضاع كثيرا، وتعتبر إيجابية للغاية، لكن الأمور لم تعد إلى وضعها السابق، حيث كان يحق لكل كندي يحمل جواز سفر مصري ساري أو منتهي الصلاحية من السفر إلي مصر وفي منافذ الدخول يدخل مجانا حال إثبات جنسيته المصرية بجواز سفر أيا كانت صلاحيته أو شهادة ميلاد أو رقم قومي.
مشاكل كثير ستظهر مع تفاصيل تطبيق القرار وننتظر مزيد من التحديثات والعودة للماضي
تفاصيل كثير مع الوقت عند تطبيق القرار بدءا من 1 أكتوبر 2023 نأمل أن تنم عن تحديثات جديدة في تطبيق هذا القرار في ظل الاهتمام والرعاية التي توليها القيادة السياسية الوطنية ممثلة فيمصر، خاصة وأن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، ومن المهم أن يتلف الغالبية حول خيار المصريين الوطني الذي يؤكد التنمية والاستقرار لمصر المحروسة، ولا تستغله قوي وتيارات تريد استغلال وانتهاز أي موقف للتأليب على مصر المباركة المحروسة، من التيارات غير الوطنية، التي لا تزال في صراع مع النظام المصري الحالي، وهي التيارات التي استغلت ثورة يناير وسرقتها وحولت دفتها من إصلاح مصر بعد حكم مبارك، ليسطر على مصر مجموعة من التيارات غير الوطنية وغير المصرية بمعني الانتماء والولاء.
قرار تأشيرة الدخول لمصر، والتغييرات التي طرأت عليه، ينم على أزمة في العلاقات المصرية الكندية، على الرغم من أن كلا الجانبين لم يفصحا عن أي تفاصيل، إلا أن المنطق يقول بهذا، خاصة وأن القرار المصري بفرض تأشيرة دخول لكل المواطنين الكنديين، أعقبه قرار كندي حاد بتحذير كل المواطنين الكنديين من السفر إلى مصر لأن كندا صنفت مصر من أعلى درجات المخاطرة للدول التي يمكن للمواطنين الكنديين السفر إليها.
إذا كانت هناك أزمة دبلوماسية أو سياسية بين القاهرة وأوتاوا، نتفهم تماما حق مصر في تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، ولكن لا يطبق هذا المبدأ على أبنائها وبناتها المصريين ممن يحملون الجنسية المصرية. ولذا كانت تعديلات القرار إيجابية بأنها طبقت قرار تأشيرة الدخول على "الكنديين البيور"، لكن لم نفهم الهدف مع إلغاء الجزئية الخاصة بعد الاعتداد كما كان الحال في الماضي بجواز سفر مصر غير ساري وضرورة الحصول على تأشيرة دخول أو شهادة تثبت الجنسية المصرية.
لقد نجحت نسبيا مطالب المصريين ممن يحملون الجنسية الكندية بعد إيصال أصواتهم لصانع القرار المصري، في تحديث وتصحيح نسبي للقرار، لكنه لم يعد الوضع إلى ما كان عليه.
أين الشخصيات المصرية الكندية والمرشحين المصريين في الانتخابات والأحزاب الكندية؟
الغريب في الأمر أننا لم نر أي ممن يرتدون ثوب ممارسة العمل السياسي في كندا من المرشحين السابقين في الانتخابات الإقليمية والفيدرالية وكانوا يعلنون شكواهم من عدم وقوف الجالية خلفهم. أين أنتم من تواصلكم سواء مع الجهات المعنية في مصر، وكذلك التواصل مع الجهات المعنية في كندا!؟
لقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات المصرية الكندية على شبكات التواصل الاجتماعي دورا محوريا لإيصال صوتها لكل من السفارة والقنصلية العامة ولصانع القرار المصري عبر رسائل مختلفة، عبرت عن استيائها من هذا القرار في صورته الأول، مع كل تقديرها واحترامها لمكانة مصر وهيبته في تعاملها مع أي دولة، على أن تطبق مصر قرارات المعاملة بالمثل مع مواطني هذه الدولة من غير المصريين، لأن دولة مثل كندا غالبية المسافرين لمصر، وربما يصل مجازا أكثر من 99% منهم هم من الكنديين من أصول مصرية، بسبب التكلفة العالية والمسافة الطويلة للغاية، وبالتالي فموجات السياحة الكندية الرئيسية لمصر، هم من الكنديين ممن يحملون الجنسية المصرية.
لماذا لم يخرج أي متحدث رسمي كندي بتصريح يفسر ما يحدث؟
لم يقم الجانب الكندي بالتعبير عن موقفه صراحة أو حتي تقديم أي معلومات لإزالة أي لبث، أو توضيح الأقاويل التي أطلقت على شبكات التواصل الاجتماعي من أن كندا كانت السبب الرئيسي في هذه الأزمة بعد أن رفضت منح تأشيراتها لعدد من الشخصيات المصرية المهمة، دون إبداء أسباب، وهذا يدفعنا للسؤال عن كفاءة الشخصيات التي تدير عملية إصدار تأشيرات الدخول لكندا، لأنها معقدة للغاية ومتساهلة لدرجة "العبط" مع فئات أخري، ولمن يسير في شوارع كندا، اصبحنا نري من يسيرون في الشوارع ويرتدون أنواع من الملابس أو السلوكيات لا تنم أبدأ عن النوعية المتميزة لموجهات الهجرة لكندا، خاصة وأنه أشبه بعملية التوظيف في الشركات متعددة الجنسية، وليست مجرد هجرة عشوائية، بل هجرة تنتقي الكفاءات، ولكن رئيس الوزراء الكندي الحالي جوستان ترودو، والذي لم أمنحه ولا مرة صوتي في الانتخابات، دمر كندا بموجات القادمين الجدد من كل صوب وحدب، وشراء أصواتهم الانتخابية بالمنح والمعونات مقابل فرض ضرائب مرتفعة علي ممن يعملون ليعطي لمن يجلسون في المنازل ليصوتوا في جزء كبير منهم لهم، ليحتفظ بمقعده في رئاسة الوزارة. لا يجب أن ننسى الصدامات والصراعات مع اختلاف أسبابها التي دخلها ترودو مع السعودية والصين وروسيا، ومؤخرا لأسباب غير معلنة حتى الآن مع مصر، ويوافق على لعب دور الوكالة للديمقراطيين الأمريكان الذي خربوا العالم وهم السبب الرئيسي للمعدلات التضخم الرهيبة عالميا، بدون تفكير أو بصيرة. منذ أكثر من 12 عاما، والمجتمع والاقتصاد الكندي يعانيان من سياسات ترودو.
ترودو رئيس وزراء لا يمثل أغلبية الكنديين وننتظر من أوتاوا كذلك أن تفسر لنا ما يحدث
نعم جوستان ترودو هو كيبيكي، وأنا أميل لكل ما هو كيبيكي بحكم ثقافتي الفرانكوفونية وحياتي في الكيبيك هذا الإقليم الساخر، لكن ترودو أفسد الحياة السياسية. ولنتذكر أنه المحافظين رغم فوزهم بغالبية إجمالي الأصوات الانتخابية إلا أن الليبراليين يفوزون بالانتخابات بسبب التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية، فأقاليم كندا الشرق أطلسية والأقل تعداد وهي ليبرالية التوجيه، لديها دوائر انتخابية لا تتناسب مع عددها الضعيف. في حين أن أقاليم البراري الغرب الكندي ذات التوجهات اليمينية والكثافة السكانية لا يتوفر فيها عدد الدوائر الانتخابية التي يتناسب وتعداد سكانها. ويرفضون الليبراليون أي تعديل للنظام الانتخابي والتوزيع الجغرافي للدوائر بما يتناسب مع السكان. ومن ثم يفوز برئاسة الوزارة في كندا للمرة الثانية على التوالي الحزب الليبرالي الفائز بعدد أقل من حيث إجمالي أصوات الناخبين في الانتخابات الفيدرالية. ومن ثم هل تخرج علينا كندا، وما أكثر المتحدثين الرسميين في كل وزاراتها ليشرحوا لنا أسباب الأزمة السياسية والدبلوماسية مع مصر؟