هاني صبحي يكتب: ”يوميات نائب في الأرياف” لا فيه قانون ولا عدالة.. بس ايه رأيك في سلامة الإجراءات!!
بقلم: هاني صبحي
في أي بلد في العالم لابد أن يكون هناك "كانون"، ينظم الحياة في المجتمع، وهو عبارة عن مجموعة من الأسس والقواعد، اللي بتحكم التعاملات بين الأفراد وبعضهم، وبتنظم العلاقة بين الأفراد والسلطة أو العكس.
هي اللي بتحدد الواجبات والحقوق. ومهمتها تحقيق العدالة، إن كانت براءة أو عقاب.. مكافأة أو جزاء مناسب لحجم الخطأ أو مقدار التعدي والجرم المرتكب.. عفوا عزيزي القارئ، فقد تظن إن كلمة "كانون" سقطت مني سهوا أو نتيجة خطأ مطبعي.. وإني كنت اقصد كلمة "قانون" .. لكن لا بأس انا قصدتها لأن المغنى واحد.. فالقانون مصطلح عربي مشتق من أصل الكلمة اليوناني "كانون" أي العصا، اللي استقامتها هي المغزى الحقيقي للعدالة التي لا يصح أن يشوبها نتوءات أو أن تكون عرجاء.. العصا اللي يمكن استخدامها كعقاب يهوى على رأس المذنب. وهي في نفس الوقت العكاز اللي يتسند عليه المظلوم أو صاحب الحق حتى يحصل على حقه.
لكن ماذا لو!! تم إسناد القانون لمن لا يعرف حق أو عدل؟ ماذا لو تحول المجتمع ضحية لمن بيده العصا، فانعكست الآية.. وصارت العصا تهوى بكل ظلم واستبداد فوق رأس الضعيف المظلوم. وتبدل دورها كعكاز يتسند عليه أصحاب السطوة والنفوذ؟ في كل مرة أقرأ الرواية أو أشاهد فيلم يوميات نائب في الأرياف، يستوقفني سؤال كنت أتمنى أن يكون توفيق الحكيم حي يعيش بيننا الآن .. لأساله فقط عن المخبأ اللي مخبي فيه آلة الزمن، اللي ركبها ووصل للمستقبل. واتمشى بين اقسامه ودخل محاكمه، عشان يشوف ويرصد ويتألم وييأس. ثم يرجع لمكتبه ويهدينا تلك التحفة الفنية العابرة للزمن!!
بس ارجع واقول يعني ومن امتى وفي اي زمن مر على البشرية، كان العدل هو اللي بيسود. والظلم هو اللي بيخسر في النهاية .. ده حتى الفنان عادل ادهم حسمها بس احنا اللي مفهمناش، لما اتفق هو وكل المجتمعين بما فيهم يونس شلبي على أمر واحد، بأن الحق هو اللي لازم يمشي .. فقال ليونس شلبي بكل صراحة وموضوعية.. إن الحق لازم يمشي ..طب ما تمشي ياض!!! النائب في أرياف توفيق الحكيم كان مهموم بالرغبة في تحقيق العدل من خلال اللي اتعلمه طول سنين دراسته للقانون.. لكنه ابدا مصوروش كثائر متمرد على الظلم وضياع الحقوق .. هو تعيس تعاسة المضطر اللي لن يقوى على مقاومة منظومة كاملة وصفها المعلن مستقلة.. لكن وضعها الفعلي تابع وأجير تحت إمرة قوة عليا بتعينهم وبترعاهم وبتحفظ لها نفوذ يتوقف عند حدود السلطة. ومكانة اجتماعية فوق البشر مشروطة بالطاعة والولاء.
"النائب" كمصطلح دال على وكيل النيابة في حقبة الثلاثينات، هو بالنسبة للمسمى الوظيفي فقط، نائب عن الشعب.. أما في الحقيقة، فهو في أروقة المحاكم، مندوب السلطة لتحقيق المظاهر والشكليات وسلامة الأوراق والأختام والتوقيعات.. المتهم.. البرئ.. الجاني.. الضحية.. "أشياء".. "أوراق".. "أرقام".. العدل هو استيفاء الشروط والأحكام والحرص على تستيف الاوراق والمستندات بالشكل القانوني.
الحق!! في دار الحق .. هناك في الآخرة مش في الدنيا أمام قاضي ومستشارين أو وكيل نيابة، أمامهم رزمة من الأوراق. وزبدة اشتراها قاضي جاي من القاهرة ولازم يخلص كم القضايا اللي قدامه ويرجع القاهرة في قطر 12 ظهراً قبل ما الزبدة تسيح من الحر .. نفس الحر اللي هيترمي فيه فلاح متهم بسرقة كوز درة عشان جعان 15 يوم حتى موعد جلسة التجديد القادمة..ال 15 يوم اللي الفلاح اعتبرهم فرصة ضمن بيها على الأقل لقمة هياكلها ببلاش.. القانون لابد أن يأخذ مجراه.. فالمعتدى عليه ملقى على الأرض بين الحياة والموت ده أمر ثانوي وعليه الانتظار حتى وصول الشرطة والمحققين.
الاشارة وصلت الساعة السابعة لسيادة النائب وعليه التحرك لمكان الحادث.. لكنه ابدا لن ينسى الورق والدفاتر والقلم..ولا داعي للعجلة، فالعجلة من الشيطان. والخطأ في حرف أو كلمة في المعاينة لا يغتفر ويضع صاحبه تحت طائلة القانون.. لا مانع من انتظار الضحية المضرجة بالدماء حتى انتهاء المعاينة اللي استغرقت 3 ساعات حتى العاشرة مساءً.. لا بأس فقد حان وقت أخذ أقوال الضحية ومعرفة من الجاني.
الضحية ماتت!! لا حول ولا قوة إلا بالله.. نصيبه وقسمته والموت مقدر ومكتوب .. المهم المحضر تمام؟ فيشير اليه مساعديه بعلامة الأوكيه.. كل شئ تمام ومستوفي الإجراءات القانونية.. نفس الإجراءات القانونية اللي شغلت المأمور والقسم والقضاء في إجراء الانتخابات، الحرة الديمقراطية النزيهة، اللي هيسمحوا فيها لأهل القرية في إبداء رأيهم في الصناديق.. عشان يختاروا بكل حرية ممثلين الحكومة اللي كرسيهم جاهز ومحجوز نعم .. بس نعمل ايه في القانون؟
لازم يوصلوا للمناصب بالشكل والإجراءات القانونية، عشان نقطع لسان اللي يشكك في ذمتنا وضمايرنا.. ريم الجميلة الهادية البريئة براءة الأطفال هي المتهمة بقتل قمر الدولة .. والكل طمعان فيها وفي جمالها .. الكل مشتهيها.. الكل نفسه يدوق عسلها.. أهل القرية والمباحث والنيابة وحتى القانون.. الكل بيطاردها ويلتمس خطواتها.. ولكل حد هدف وأغراض.
ظهرت الجميلة أخيرا، لكن ظهرت جثة غرقانة في الترعة.. بس مكانتش لوحدها ..كانت متونسة بالصناديق، اللي الشعب ناكر الجميل قليل الاصل ..حط صوته فيها ومختارش اللي سهرانين على راحته وبيخدموه بعينيهم.. خرجت الصناديق من الماء.. وخرجت وراها ريم .. ملقاش الناس مكان يحطوا فيه جسد البراءة المغتالة، غير انهم يحطوا جثة البراءة والمستقبل فوق صندوق من صناديق الحرية اللي غرقت معاها في الترعة.. بس لا داعي للقلق .. النائب موجود والمحكمة بخير. وأكيد هتتخذ الإجراءات وهيتم التحقيق في القضية.. والقانون هياخد مجراه.