المرونة في الظل: قصة شعب ”فارستين” المنسي
في شوارع هذه المدينة العريقة، أتجول تائهًا وأفكر، وخطواتي ترافق صوت قدمي على الأرضية الحجرية القديمة. أعيش في مدينة قديمة جداً، يمكن اعتبارها من أقدم الأراضي على وجه هذا الكوكب، مدينة تحمل في أسوارها تاريخاً عريقاً وثقافة غنية وحضارة عريقة.
في هذه المدينة القديمة، يمكن أن تتشابك الأفكار والمشاعر أثناء السير في شوارعها الضيقة والتفكير في الزمن الذي شهدته والتاريخ الذي نجده في كل زاوية.
مدينتي اسمها "القادسة" وهي مدينة مقدسة، ولن تجد إجابة لسر قدسيتها، فأنا مجرد إنسان بسيط ولا أملك القدرة على كشف هذا السر. إذا كنت تريد أن تعرف سرها، عليك أن تأتي لزيارتها بنفسك.
إنها المدينة التي نشأت على أرض قديمة غنية بالتاريخ، وكانت موطناً للعديد من الثقافات والقبائل على مر العصور. تُسمى هذه الأرض "فارستين" وتتمتع بتراث فروسية غني وأراضي خضراء جميلة.
لقد ولدت وترعرعت في هذه المدينة، ومن هنا أقدم لكم قصتي. ولكن قبل أن نبدأ، أريد أن أؤكد أنني لا أسعى إلى التعاطف أو الشفقة. كرامتي وكبريائي لا يسمحان لي بالتفكير بهذه الطريقة. أنا ابنة هذه المدينة المقدسة، وقصتي تتعلق بشعب تآمرت عليه جميع حكومات هذه الأرض. في نظري، كانوا جميعًا أشرارًا، مثل قطاع الطرق الذين كانوا أبطال قصص آبائنا عندما كانوا أطفالًا.
كان لدي عائلة كبيرة والعديد من الإخوة. وتساءلت عن مصيرهم. الحقيقة هي أننا جميعاً متفرقون ومتفرقون في أماكن مختلفة. منا فقد حياته بسبب القمع، ومن منا لا يزال في المعتقلات في ظل ظروف قاسية، ومن منا فقد أحباءه، ومن منا اختفى عن الأنظار تماما. ومع ذلك، تمكنت من البقاء على قيد الحياة وإنقاذ حياتي من أجل مشاركة هذه القصة معكم.
قد تبدو أرضي بالنسبة للكثيرين مجرد مكان جغرافي، لكنها بالنسبة لي ملحمة تاريخية. إنها قصة شعب تآمرت جميع الحكومات لمحوه من الخريطة، باستثناء شعبها. نحن الضحايا الوحيدون، نشعر بالألم والمعاناة، بينما يجتمع الآخرون على موائد العشاء الفاخرة ويشربون نخب الموت. ثم ينامون في أسرتهم المريحة ويظهرون في نشرة الأخبار الصباحية يتحدثون عن تصميمهم على تحرير الأرض.
وبينما أواصل السير في هذه الشوارع الخالدة، لا يسعني إلا أن أفكر في صمود شعبي وروحه. ربما تشتتنا في مهب الريح، لكن جذورنا تمتد عميقًا في تربة هذه الأرض القديمة. نحن شعب يرفض أن يُمحى من التاريخ، مهما حاولوا إسكاتنا.
وفي خضم الشدائد، أصبحت روابطنا أقوى. وعلى الرغم من الأميال التي تفصلنا، إلا أننا نجد العزاء في معرفة أننا لسنا وحدنا في كفاحنا. نحن نشارك قصصنا من خلال رسائل سرية وشبكات مخفية، لنحافظ على شعلة الأمل حية.
وتظل مدينتي، فارستين، رمزا لتصميمنا الذي لا ينضب. شوارعها، التي كانت ذات يوم تردد أصوات ضحكاتنا وأغانينا، أصبحت الآن بمثابة شاهد صامت على مثابرتنا. ربما فقدنا أحباءنا، لكن ذكرياتهم تغذي كفاحنا من أجل العدالة.
وربما تكون الحكومات والعصابات التي تآمرت ضدنا قد استهانت بقدرتنا على الصمود. ربما ظنوا أنهم يستطيعون محو وجودنا من سجلات التاريخ، لكنهم كانوا مخطئين للغاية. لا يمكن أن تنطفئ أرواحنا، وبحثنا عن الحرية يزداد إشراقًا مع مرور كل يوم.
وبينما أشارك قصتي معكم، آمل أن ألقي الضوء على محنة شعبي. نحن لسنا مجرد ضحايا؛ نحن ناجون، ونحن مقاتلون. نحن نحمل تراث أجدادنا، ونحن مصممون على استعادة أرضنا وحقوقنا.
لذا، إذا وجدت نفسك تسير في شوارع فارستين القديمة، استمع عن كثب إلى همسات الماضي، لأنها تحكي قصة شعب رفض أن يُنسى، شعب يواصل الأمل رغم كل الصعاب، الحلم والمقاومة. رحلتنا لم تنته بعد، وقصتنا لم تنته بعد.