هل نضب ”المعين”؟

سألت نفسي هذا السؤال هل جف البئر ولم يعد فيه ماء؟ هل تقسى القلب وما عاد يحنو من كثرة ما واجه من إحباطات والألم؟ أم أن العقل تجمد فتجمدت تبعا له المشاعر والاحاسيس؟ لم اعد أدرك الزمن أو المكان هل انا في صحو أم منام؟ إلهي لماذا زاد الشر ولم يعد للخير والصدق مكان؟ لماذا انا هائم على وجه الصحراء أضارب الهواء وألوذ بنفسي لنفسي بحثا عن سكون وسلام.
مازال السؤال حائرا والقوى خائرا فلم يعد قادر على القيام. لماذا يتحرق الصديق من أقوال وأفعال الشرير؟ أين المراحم؟ أين الحب والولاء؟ صرخاتي لم يعد لها أي طعم فللمرارة مكان بعد أن خان الصديق واختبئ القريب وباع المحبوب وبعد البعيد. من انا في خضم هذا البحر الهائج أكاد أُبتلع في طياته، بعدت عن الشاطئ ام بعَد الشاطئ عني ام أن الصورة تحولت إلى تشوه وحطام، تناثرت الأشلاء كما الذكريات، غابت الأحلام كما هرب المنام.
من انا في خضم ظواهر غامضة تسحبني لتبتلعني بعيدا عن الواقع المر الغريب، ذلك الواقع الذي لم أعد افهمه كما لو كان يتكلم لغة غامضة غير مفهومة بعيدة عن عقلي ونفسي وأعماق وجداني. بحثت عن الحب في اعماقي فوجدت "المعين" قد نضب وتشققت الأرض وعلاها التصحر، بحثت عن صديق فلم أجد، الوحدة تقتلني كل لحظة عشرات المرات، بحثت عن الحب فلم أجد سوى الكره والغدر والعناد.
فيكرر السؤال نفسه من انا؟ لا أحب الكذب أو النفاق او المحاباة، وقفت ضد العالم فوقف العالم ضدي فلم أجد لنفسي فيه مكان فهل نضب "المعين" أم تحول النبع إلى قفر وواحة جدباء، من يردني ويسندني ويفهمني...لا أحد. تتعالى الصرخات داخلي ويلي.. وويحي انا الانسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت، لست أدرى ماذا اريد ولست أدرى من انا؟ حتى فجاءة وللحظة عاد إليّ رشدي عندما صدمتني صورتي في المرآة فلاحظت ملامحي وتحسست وجهي لأتأكد إني مازالت على قيد الحياة، فبالرغم من عدم لذة الطعام إلا انني اشعر بجوع قاتل يسلبني الحياة حيث ذبل جسدي عن سمن ونحل. ربي احتاج إشراقة وجهك نحوي، كيف لي ان احتاج وانا ابنك؟ كيف ينضب المعين وانا في محضرك هل كل ذلك لبعدي عنك وخوفي مِن مَن هم حولي؟ من يريح نفسي ويجيب أسئلتي سواك خالقي وجابلي إلهي.
أشرق بوجهك نحوي فأرى طريقي ولا أتلمسه كالعميان. أشرق بوجهك عليّ فأحب نفسي ومن حولي وأدرك من انا فيمتلئ المعين بماء الحياة ويفيض ليروي أخرين كما بالأمس كان. أصرخ احبك يا رب يا قوتي انت ملجئي ومتكلي ماذا يصنع بي إنسان عندما اقترب إليّ الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا لأنك انت نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب حصن حياتي ممن ارتعب (مزمور 27). يجعل القفر غدير مياه وأرضا يبسا ينابيع مياه (مزمور 107: 35) .
هذا ما شهد به القدماء فانت مازالت هو هو أمس واليوم وإلى الأبد لأنك انت البداية والنهاية إله المستحيلات والمعجزات قادر على كل شيء. احبك يا رب يا قوتي انت صخرتي، انت متكلي منذ صباي عليك اتكلت من الرحم إلى المشيب. من انا؟ انا من انت عرفته باسمه فصار ملكك. انا من أحببتني إلى المنتهي حتى الصليب وموت العار ومجد القيامة لأجلي انا. انا من تجد لذتك في حديثي وطلباتي وتذمراتي وآهاتي. انا ابنك الذي خرج لبلاد بعيدة عن محضرك لكنك مازالت واقف في انتظار رجوعي. انا نسمة الحياة التي نفختها فيّ فصرت كائنا متميزا حيا. احمدك لأنك انت هو من يعرف من انا... أشكرك