دردشة…بالعربي الفصيح:
الدين عند الله…ليس المسيحية!
كنت انزعج جداً وأنا طفل حينما كنت أسمع أن الله يتعامل مع البشر بالأديان؛ فإن ضل أهل الدين الذي أنزله الله طريقهم، ينزل الله لهم ديناً آخراً وهكذاً! وكنت أحزن أيضاً وقتما اسمع أن الدين عند الله ليس المسيحية! لكن بعدما قرأت وبحثت في مسيحيتي ونضجت في تعاليمها، أدركت سبب انزعاجي من موضوع تنزيل الأديان، بل ولم تعد فكرة الدين المفضل لدى الله تحزنني مطلقاً لأني عرفت أن المسيحية ليست ديناً! ولا أقول هذا على سبيل الفلسفة…إنما هي حقيقة! فإن فهمنا قصة الخلق، التي اتفق عليها اليهود والمسيحيون بتفاصيلها، سنعلم أن لفظ "دين" لم ولن يرد على فكر الله، وهو ليس من مفردات الخالق! وأتعجب أن هناك بعض المسيحيين يجهلون هذه الحقيقة!
أتعلم أن كلمة "دين" ذكرت خمس مرات فقط في الكتاب المقدس، وفي العهد الجديد على وجه الخصوص؟! وحينما ذكرت، ذكرت بمعنى مذهب أو ممارسة. أتعلم ايضاً أن كلمة "مسيحيين" ذكرت لأول مرة في سفر أعمال الرسل، وهي لقب أطلقه الآخرون في أنطاكية على الرسل ومتبعي السيد المسيح؟! لكن عُرفت المسيحية قبلاً في سفر الأعمال ببساطة بـ 'الطريق'؛ وهو اسم يطابق تماماً قول السيد المسيح، له المجد، عن نفسه: أنا هو الطريق! والجدير بالذكر أيضاً أن الله في العهد القديم لم يطلب أبداً من اليهود التبشير بعقيدتهم لغيرهم من الشعوب! كيف هذا؟ ولماذا؟ أو أليست هي ديانة، بمفهوم اليوم، ويجب أن تنتشر؟!
لذلك لابد لنا أن نفهم قصد الله من خلق الإنسان؛ فمن عظم محبة الله، قد خلق آدم وحواء على صورته ومثاله لكي يحيوا معه في عشرة أبدية. فلم يكن هناك موت قبل السقوط! ولولا السقوط، لما صار هذا القصد الإلهي غير المتغير عرضه لتفاسير البشر ونظرياتهم الناقصة، ليختزل إلى مجرد دين أو أديان!
فإن أردنا إذن أن نعرف كلمة "دين" باختصار سنرى إنها فئة من الناس يظهرون انتماءً شديداً وإيماناً قوياً بعقيدة أو حقيقة مطلقة ويشجعون غيرهم على الانضمام لهم لضمان الاستمرارية والكثرة!
الأديان نشأت منذ القدم بسبب توجهات الناس المختلفة نحو الله! ظهرت تدريجياً نتيجة لسلوكهم تجاه الخالق سواء وجد أو لم يوجد في مخيلتهم؛ فهي إذن من صنع البشر! لذلك تحولت اليهودية إلى مجرد دين، والغرب حول الطوائف المسيحية لعدة أديان، والإسلام دين بشهادة المسلمين، والهندوسية والبوذية (والشيوعية) أيضاً أديان؛ وبالتالي، وحسب التعريف، فالإلحاد أيضاً دين، وكذلك أصبحت المثلية هي الأخرى (والدليل أنهم بدأوا يبشرون ويدعون لتحويل الأطفال في المدارس لضمان وجود جيل جديد يكمل مسيرتهم، والا سينقرضون)؛ فأي أيديولوجية دنيوية هي دين! فكيف تنفرد المسيحية، التي بلا رتوش، عن البقية، وما الذي يميزها عن غيرها؟! الفيصل هنا هو أولاً إدراك قصد الله من الخليقة، كما ذكرنا!
فحينما أخطأ آدم وسقط لأنه اختار صورة نفسه دوناً عن صورة الله، وابتدأ أولاده بدورهم يحيدون عن الله، كان الله يختار من بينهم على مدار أجيال من هو لا يزال يعكس بصيصاً من صورة الله هذه التي شوهها آدم بكل سهولة! فالله لم يفاجأ بسقوط آدم، بل كان يعلم بسابق علمه، ووضع لنا خطة خلاص مسبقة، أي خط عودة! فإن لم يفعل، فهو إله ضعيف إذن، فكان دائماً يعمل في ومن خلال البشر ليعود الإنسان الساقط إلى نفس المنزلة السامية التي قصدها الله له قبل السقوط! فبقي اسمه القدوس المخوف حياً بين الشعوب الضالة إلى أن تم الزمان المعهود ليعيد الله من جديد صورته، التي شُوهت في آدم وبنيه، في شخص السيد المسيح يسوع له المجد!
وهكذا تكوَّن إسرائيل شعب الله المختار، ليس بسبب الأفضلية أو التفضيل، بل لان من خلاله سوف تتم خطة خلاص العالم وإعادة صورة الله للبشر أجمعين في المسيح يسوع! فجاء الطريق (أو المسيحية) مكملاً ومحققاً لهذه الخطة الخلاصية الأزلية! كعلاقة حية بين الخالق وصنعة يديه، وهذه العلاقة واحدة وحيدة كالله الواحد وبحسب قصده. لذلك هي العلاقة الوحيدة في العالم التي تنفرد ببلوغ الله بنفسه للإنسان، بينما كل المعتقدات الأخرى تدعو لاهثة لبلوغ الإنسان لله!
لذلك لم يُطلب من اليهود التبشير ابداً بعقيدتهم في العهد القديم لأنه لم يكن قد حان الوقت لمجيء السيد المسيح ليدعو الجميع إلى ملكوته. فاليهودية لم تكن ابداً ديناً قد فشل، بل مرحلة إعداد لما هو أكبر وأعمق وأعظم! وعصيان وتمرد اليهود لم يكن علامة لفشل هذا الدين، بل تأكيداً لاحتياجهم لمخلص سماوي من سطوة الناموس الذي كان مؤدبهم إلى حين مجيء هذا المخلص…المسيح الرب!
وانتشار المسيحية لم يكن بهدف الكثرة أو لتعزيز قوى سياسية، ولكن كان نتيجة محبة الفرد للآخر وبالتالي نشر خبر حب الله له ايضاً. فهذا هو الخبر المفرح الذي سينقلنا جميعاً إلى ملكوته ممجَّدين كملائكة، مستمتعين بحضرة الثالوث القدوس وجهاً لوجه. فالمسيحية لا تطلب تعداداً لتحقيق أهداف أرضية زائلة، بل ترجو أن يربح كل البشر حياةً أبدية مع الله، لتتحقق مشيئته في السماء وفي الأرض! فليس هناك بعد نحن والآخرون، بل نحن جميعاً ضد تعاليم العالم، لأن مصارعتنا ليست مع لحم ودم لكن ضد أجناد الشر الروحية (أي الشياطين) في السماويات؛ ولهذا لا تنادي المسيحية بعقاب من يرتد أو يختلف عنها، بل تصلي فقط من أجله بلجاجة ليحظى هو الآخر بالبصيرة الكافية لمعاينة شخص الله.
بعد كل ما تقدم، لا يصح أن نتعامل مع تلك الخطة الإلهية الواحدة كدين، والا فنحن نقترح أن الله قد أنزل بالفعل ديناً معيناً ولم ينجح، فنزل بآخرٍ، ففشل، ثم نزل بآخر…وبآخر…الخ! فالله لا يتفاعل بسلبية مع أخطاء البشر، وكأنه هو الذي قد فشل في كل مرة…حاشا!! على العكس، الله كان يؤدب ويسعى لتحقيق خلاصه الأبدي الواحد من أجل الإنسان، مهما زاغ هذا الإنسان! منذ الأزل، كان الطريق واحد، هو السيد المسيح، الله الكلمة، الابن المتجسد، آدم الثاني، الذي فيه اجتمعت صورة الله الأصلية، من سلطان، وأبدية، وبر كامل بلا خطية؛ هي الصورة ذاتها التي صورنا عليها قبل السقوط.