خطط لعمليات إرهابية لاستهداف أوروبا وروسيا بضربات متلاحقة
داعش خرسان (2)
تحقيق: إيهاب أدونيا
ضربات إرهابية متعددة استهدفت مناطق متفرقة في أوروبا وآسيا وإفريقيا أعادت تنظيم "داعش" إلى الواجهة، ودفعت الأذهان لتذكر سنوات الدم والدمار في سوريا والعراق تحت راية الدولة المزعومة. وما أثار الانتباه إلى خطورة "داعش" مجددًا ما خلفه الهجوم الذي نفذه عناصر تابعة له في روسيا حيث قتل العشرات، وهو ما أظهر سعيًا حثيثًا للتنظيم الإرهابي للعودة بقوة بعد خفوت أعقب العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي ضد معاقله في الشرق الأوسط ومقتل قيادات بارزة في صفوفه في وقت قصير، ما دفع البعض لتوقع اندثار التنظيم أو -على أقل تقدير- انتهاء دوره عالميًّا.
ما هي التوقعات لاماكن الضربات التالية كما يتوقعها الخبراء.. وما هي ولاية "داعش خرسان" ... ومن هو زعيمها؟ ... وأشهر العمليات الإرهابية التي قام بها في الآونة الأخيرة.. ولماذا تخشاها دول أوروبا في الوقت الراهن... تلك الأسئلة وغيرها سنجيب عنها في السطور القليلة القادمة.
الهجوم على حفل موسيقي بروسيا
أعلن فرع تنظيم "داعش خراسان" مسؤوليته عن الهجوم الذي أوقع 62 قتيلا مؤخرا عندما فتح مسلحون يرتدون ملابس مموهة النار من أسلحة آلية على أشخاص خلال حفل موسيقي بالقرب من موسكو.
وقال التنظيم في بيان نشره على تلجرام إن مقاتليه "هاجموا تجمعا كبيرا في ضواحي العاصمة الروسية موسكو".
يأتي هذا الحادث الإرهابي بالتزامن مع فوز الرئيس الروسي بوتين في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يرجح أن هذا العمل الإرهابي ليس موجهاً ضد روسيا، قدر ما هو موجه ضد شخص الرئيس بوتين، لإفساد فرحته بالنجاح في الانتخابات لرئاسة بلاده لست سنوات قادمة، متفوقاً بذلك على الرئيس الأسبق ستالين، في عدد سنوات حكم روسيا.
من جهة أخرى يعد هذا الهجوم هو الثالث لمكان إقامة حفلات موسيقية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يستهدفه «داعش» خلال العقد الماضي، بعد هجوم على مسرح «باتاكلان» في باريس في نوفمبر 2015 (في إطار عملية أوسع استهدفت أهدافاً أخرى في المدينة)، وهجوم انتحاري في حفل المغنية أريانا غراندي في «مانشستر أرينا» بإنجلترا في مايو 2017.
استهداف موكب "سليماني" بايران
في منشور على حسابه الرسمي على تلجرام في يناير الماضي، قال تنظيم "داعش خراسان" إنه كان وراء هجوم أدى إلى مقتل 84 شخصا في كرمان بإيران، خلال موكب تأبيني لقاسم سليماني الذي قُتل بغارة أميركية بطائرة بدون طيار في عام 2020.
كما سبق وهدد التنظيم إيران مرات عديدة، وأعلن مسؤوليته عن عدة هجمات هناك.
من جانبه أكد كولين بي كلارك، محلل مكافحة الإرهاب في مجموعة "سوفان"، وهي شركة استشارات أمنية مقرها نيويورك: على أن تنظيم داعش ولاية خراسان يركز اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين، وكثيرا ما ينتقد الرئيس فلاديمير بوتين في دعايته لتدخله في أفغانستان والشيشان وسوريا.
استهداف السفارة الروسية في كابول
في سبتمبر 2022 أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن تفجير انتحاري وقع قرب السفارة الروسية في العاصمة الأفغانية كابول.
وأدى التفجير إلى مقتل اثنين من موظفي السفارة الروسية وأربعة آخرين، بالإضافة إلى جرح عشرة أشخاص، بحسب مصادر رسمية أفغانية ووزارة الخارجية الروسية.
ويعد هذا أول تفجير يستهدف بعثة دبلوماسية أجنبية منذ استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان. فجّر المهاجم حزاما ناسفا قرب مدخل القسم القنصلي في السفارة.
لماذا تخشى أوروبا من هجمات "داعش خراسان"؟
شهدنا بالفعل في الفترة الماضية إحباط الكثير من العمليات التي خطط لها التنظيم في الدول الأوروبية، لكن ما زال هناك خطر قائم لتنفيذ هجمات أخرى، لأن داعش في النهاية يعتمد على خلايا صغيرة العدد وغالباً لا تكون متصلة ببعضها البعض ولا يتم الكشف عنها دفعة واحدة، وكذلك فهناك مخاوف من هجمات تعرف باسم "الذئاب المنفردة"، وهي أصعب في كشفها وإحباطها.
فرنسا تأتي على رأس الدول المهددة بتنفيذ هجمات إرهابية من تنظيم داعش خراسان، وفيما يتعلق بطموحات التنظيم الدولية، فداعش يسعى لإثبات وجوده مع قائده الجديد، وبالتالي فوتيرة زيادة الهجمات لا تزال مطروحة وتثير مخاوف واسعة.
ما زال خطر تنظيم داعش قائماً، حيث يمر بحالة انتعاش عملياتية وهناك تحذيرات من الاستخبارات الغربية بأن التنظيمات الإرهابية تسعى لتنفيذ هجمات غير نمطية مستقبلًا.
وفي الأشهر القليلة الماضية شهدت العديد من دول العالم خاصة العالم الغربي ضربات إرهابية متعددة استهدفت مناطق متفرقة في أوروبا وآسيا وإفريقيا أعادت تنظيم "داعش" إلى الواجهة، ودفعت الأذهان لتذكر سنوات الدم والدمار في سوريا والعراق تحت راية الدولة المزعومة.
وما أثار الانتباه إلى خطورة "داعش" مجددًا ما خلفه الهجوم الذي نفذه عناصر تابعة له في روسيا حيث قتل العشرات، وهو ما أظهر سعيًا حثيثًا للتنظيم الإرهابي للعودة بقوة بعد خفوت أعقب العمليات العسكرية لقوات التحالف الدولي ضد معاقله في الشرق الأوسط ومقتل قيادات بارزة في صفوفه في وقت قصير، ما دفع البعض لتوقع اندثار التنظيم أو -على أقل تقدير- انتهاء دوره عالميًّا؛ إلا أن اختيار "داعش" موسكو لتكون نقطة تأكيد عملياته الإرهابية بالخارج يجعل من اختياره رسالةً لتنظيم "القاعدة" المنافس له وأيضًا للقوى الدولية التي دحرت عناصره في السابق بأنه لا يزال متصدرًا المشهد الإرهابي – لا بأذرعه في الشرق الأوسط وإفريقيا فحسب، بل في كل قارات العالم – كما شهدنا.
وما يؤكد هذه الرسالة، الهجوم الذي تزامن مع هجوم موسكو، إذ نفذ التنظيم في النيجر هجومًا أسفر عن حصد أرواح ٣٠ جنديًّا في ضربة نوعية أخرى نفذها "داعش" في وقت قصير.
وإذا نظرنا إلى نشاط التنظيم الإرهابي قبل هذين الهجومين، نجد بوادر صحوة ظهرت في يناير الماضي عندما تبنى مسئولية تفجيرين استهدفا مقبرة مسئول العمليات الخارجية السابق في الحرس الثوري الإيراني، "قاسم سليماني"، في جنوب إيران؛ فأسفرا عن مقتل ٨٤ شخصًا وإصابة العشرات.
ولم يكد الشهر نفسه ينقضي حتى نفذ التنظيم هجومًا على كنيسة في مدينة إسطنبول التركية. الأمر الذي لم يلق قراءة دقيقة حينها ولم يُنظر إليه بوصفه صحوة للتنظيم الذي سق استهدافه بضربات عسكرية قوية من قوات التحالف الدولي والقوات العراقية في السنوات الماضية حتى توقع البعضُ ضعفَ دوره - وخاصة بعد مقتل قياداته البارزة. إلا أن الحقيقة الواضحة لنا الآن هي قدرة التنظيم على إعادة ترتيب صفوفه من جديد وعدم ارتكازه على القيادات الرئيسة؛ ما يفسر قدرته على تخطي مقتل قيادات مثل البغدادي ومن تبعه في الزعامة.
وبالنظر إلى الأذرع المسئولة عن تلك الهجمات الإرهابية، نجد فرع التنظيم في أفغانستان "داعش - خراسان" حاضرًا في المشهد؛ فرغم إعلان "ولاية تركيا" التابعة لـ "داعش" مسئوليتها عن هجوم إسطنبول وقتها إلا أن الأنباء بعدها أكدت ضلوع "داعش - خراسان"، وتكرر الأمر مع هجوم إيران إذ أشارت الأنباء إلى ضلوعه أيضًا، وبالنسبة إلى موسكو فقد نفذ الفرع نفسه (وليس فرع "القوقاز" في التنظيم) الهجوم.
ظهر داعش-خراسان (ISIS-K) لأول مرة في سوريا والعراق، ووفق الاسم فإنه يشمل المنطقة التي تضم دولتي (أفغانستان، وباكستان)، وأُسِس هذا الفرع في عام ٢٠١٥ على يد عناصر ساخطة من حركة "طالبان".
ووفقا لخبراء أمنيين أوروبيين فقد تمكنت أجهزة الاستخبارات الأوروبية في الأسابيع والأشهر الأخيرة من إحباط العديد من الخطط الإرهابية على أراضيها. وكشفت وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون، والتي تعرف باسم يوروبول وتسهر على حفظ الأمن في أوروبا، كشفت عن محاولات لشن هجمات جهادية في جميع أنحاء أوروبا في السنوات الماضية. ومنذ 7 أكتوبر 2023، كان هناك بالفعل ثماني حالات.
وحسب خبراء أمنيين مختصين في الجماعات الجهادية فان أنشطة تنظيم "داعش" في القارة الأوروبية لا تقتصر على التخطيط لتنفيذ هجمات إرهابية ونشر الرعب وسط المواطنين، بل تقوم أيضا بجمع الأموال لتمويل أنشطتها خارج الدول الأوروبية.
باحث بريطاني: "هناك تعبئة كبيرة للإسلاميين والجهاديين في أوروبا"
ويرى الباحث البريطاني في شؤون الإرهاب بيتر نيومان في مقابلة مع إذاعة "دويتشلاندفونك" الألمانية، أنه: "منذ السابع من أكتوبر، منذ الهجوم الإرهابي الذي شنته حماس والصراع الذي نتج عنه، شهدنا تعبئة ضخمة للإسلاميين والجهاديين في جميع أنحاء أوروبا الغربية".
ويضيف ذات الباحث أن "أكبر تهديد إرهابي حالي في ألمانيا وأوروبا يأتي الآن مرة أخرى من جانب الإسلاميين والجهاديين". كما قيمت وزيرة الداخلية الفيدرالية نانسي فيزر التهديد الإرهابي في ألمانيا بأنه مرتفع. وقال فيزر: "إن خطر الإرهاب الإسلامي لا يزال حاداً".
في مقالة رأي كتب الصحفي الألماني على صفحات "هندلس بلات" بتاريخ 25 مارس 2024 أن "تنظيم الدولة الإسلامية لن ينجح في إقامة الخلافة الإسلامية في أوروبا، لكنه يريد زرع الخوف وسط المجتمع، وأيضًا إثارة الشكوك العامة ضد جميع المسلمين واللاجئين".
استهداف محتمل لفعاليات رياضية دولية
هناك تكهنات أن ألمانيا تحت ضغط كبير لتشديد المراقبة ورصد الخلايا الإرهابية على بعد أشهر قليلة من بطولة أوروبا لكرة القدم في ألمانيا ودورة الألعاب الأولمبية في باريس، ويعد الحدثان الرياضيان أهدافا رئيسية محتملة للجهاديين بسبب الأعداد الكبيرة من الزائرين والمتابعين لها عن بعد عبر القنوات الناقلة.
وفي هذا الصدد قال تور هامينغ، الخبير في المركز الدولي لدراسة التطرف في حديث لصحيفة "سود ويست" الفرنسية بتاريخ 25 مارس المنصرم: "إن استهداف الألعاب الأولمبية في فرنسا سيكون بلا شك حلمًا يتحقق بالنسبة لتنظيم داعش، وأنا متأكد من أن هناك خططًا بالفعل". إضافة إلى الخلايا المسلحة خارج حدود الاتحاد الأوروبي، تخشى فرنسا من العشرات من الجهاديين المدانين بأنشطتهم في سوريا من السجن بعد قضاء عقوباتهم. وفي مطلع مارس الماضي، اعترفت سيلين بيرثون، المديرة العامة للأمن الداخلي الفرنسي، أمام اللجنة القانونية بمجلس الشيوخ، بوجود قلق بشأن الألعاب الأولمبية.