أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

جون جوزيف جوبيرت... نسر الكشافة القاتل

ولد جون جوزيف جوبيرت الرابع في 2 يوليو 1963 في لورانس، ماساتشوستس، لأسرة مكونة من طفلين هو أكبرهما. و بطبيعة الحال كان جو الأسرة دوماً مشحوناً و تكثر فيه الشجارات. حتى أنه في واحدة منها شاهد أبيه يحاول خنق أمه، لتنتهي هذه الحياة الأسرية المضطربة بلنفصال الوالدين وهو في الثامنة من عمره، و ينتقل للعيش مع أمه و شقيقته في ولاية ماين.

لكن، و إلى جانب المرارة اللاذعة التي أحس بها جراء هذا الانفصال، و تنقله المستمر بين عدة منازل مختلفة، كانت والدته بيفرلي جوبيرت امرأة مستبدة لم تسمح له بتكوين أي صداقات مع الأطفال الإخرين، نافذة الصبر دائمة الصراخ و الوعيد لابنها على أتفه الأسباب، و كانت تبرحه ضرباً حتى بلغ من العمر 12 عاماً، وفوق كل هذا منعته من زيارة أبيه.

و بالمدرسة لم تكن أموره بأفضل حالاتها أيضاً، إذ أنه بالكاد كان له أصدقاء، و بالطبع كان هدفاً سهلاً للتنمر بسبب صغر سنه وسط أقرانه، ورده الوحيد على تلك المضايقات كان بالصمت المطبق.

وفي عمر الحادية عشرة، بدأ جون العمل في توصيل الصحف بحيه حتى بلغ السابعة عشرة من عمره إلى جانب الدراسة. ومنها كان يدفع النقود التى يدخرها لتسديد رسومه الدراسية فى مدرسة تشيفيروس الثانوية، وهي مدرسة ثانوية كاثوليكية للبنين في بورتلاند.

وبعد دخوله الثانوية، بدا بالنسبة للمدرسين والكثير من الطلاب بأنه صبي يحتذى به في الاجتهاد والعمل الدؤوب. فبجانب طبعه الهادئ الكاره للعراك؛ فإنه قد حصل على دورات دراسية بمرتبة الشرف، و لا يلي جهدا في سبيل تحصيل أعلى العلامات الدراسية، كما أنه يتمتع بمستوى ذكاء عال، ومتفوق في اللغة الإنجليزية والتاريخ، و كثيرا ما كانوا يشاهدونه يقرأ كتاب حتى أثناء وقت تناول الطعام بالمدرسة ؛ بل إنه وفي الإجازة الصيفية التي ينتهزها الأولاد الأخرين للتسلية و الراحة من أعباء المذاكرة، كان جون يعمل خلالها أيضاً لمساعدة ووالدته.

أما في أوقاته الطويلة بمفرده، فإنه كان يقضيها جلها يستمع إلى الراديو أو يبني نماذج للطائرات.

إلى هنا، يبدو أننا بصدد حكاية ملهمة وواعدة عن شاب صغير عصامي يتحدى ظروفه بتصميم لا يلين، كغيرها من الحكايات التي كتبها أصحابها من ذهب في سماء التفوق والتمييز.

و لكن وكما عودتنا هذه السير الذاتية للمجرمين، فإنه كالعادة لابد لشيء ما أن يسير على نحو خاطئ في قصته، ليكون الوحش الذي نخشى وجوده بيننا وفينا إذا ما كانت الظروف مواتية.

ولعل سبب من الأسباب التي تصنع مجرمين بحق، هو حين يتركون لأنفسهم لردح طويل من الزمن تفترسهم فيه أفكارهم وخيالاتهم، وينفصلون عن واقعهم، انفصالا لا رجعة فيه.

و من هنا يبدأ الجانب القاتم من حكايتنا اليوم ، وهو أنه خلف هذا المراهق المثالي الهادئ الرصين، تجول وتصول أفكار لحوحة في رأسه عن إيذاء الآخرين .. آخرون يُذبحون و يَصرخون و يتلوون من عذابات رهيبة، و كأنهم شخصيات داخل شريط فيلم رعب لا يمل تكراره داخل عقله المعطوب.

وفي يوم من الأيام، يتخذ القرار الحاسم بأن يحول هذا المسلخ الخيالي إلى حقيقة!

كانت البداية في يوم ديسمبري من عام 1979، حين وقعت عينه على فتاة صغيرة تدعى سارة كانتي، لا يتعدى عمرها الست سنوات، تلعب في حديقة منزلها، عندما مر بدراجته. و أمام هذا المنظر اللطيف الذي قد يسلب لب أغلب الناس و يعيد لهم ذكريات طفولتهم السعيدة حين كانوا أحرارا من أعباء وهموم الحياة، فإن جون انتابه اشمئزاز من المشهد إلى درجة العزم على تحويله إلى المشهد الذي يرضي ذوقه هو، فسحب آلة حادة من جيبه و نزل عن دراجته يسير باتجاه الطفلة التي رمقته ببراءة إلى أن طعنها دون مقدمات.

وفي أحد أيام يناير سنة 1980، صادف أن كانت تسير تعيسة الحظ ڤيكي جوف ذات السابعة والعشرين على طول شارع ديرينج، في طريقها إلى الجامعة. أطبق عليها جون من الخلف وشرع في طعنها بالسكين، وهو يضع يده على فمها، كي يكتم صراخها، وولى هاربا قبل أن تتمكن الفتاة من إلقاء ولو نظرة خاطفة على مهاجمها!

و سرعان ما يدب السأم في أوصاله من مشهد الطعن الأخير، فشرع في تنفيذ آخر، مع الحرص على مضاعفة حدة الهجوم، و كان ضحيته هذه المرة صبي صغير، اسمه مايكل ويثام عمره تسعة أعوام. كان مايكل مثل الضحية السابقة يسير في شارع ديرينغ حين استوقفه جون من على دراجته، و أخذ بطرح بعض الأسئلة عليه، و من ضمنها أسئلة شخصية، لم تثر أي منها ريبة الطفل الصغير، إلى أن أخبره جون بأنه يمكنه الذهاب الآن؛ لكنه حين التفت يهم بالمغادرة بُوغت من الخلف و حز عنقه بسكين. بعد انتشار أخبار الطعنات، قرر جون أن يتوقف لفترة من الزمن، حرصاً على مستقبله من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يقع في قبضة الشرطة، فتخرج من المدرسة الثانوية، وأصبح طالباً في جامعة نورويتش، وهي كلية عسكرية في نورثفيلد، فيرمونت، حيث درس الهندسة، الإ أنه غادر مقاعد الدراسة، بعد فصل دراسي واحد فقط! ليحاول العثور بعدها على عمل، لكنه لا ينجح، مما يزيد من توتره وغضبه إزاء ما يعده إخفاقا، و على أثره تعاود رغبته المحمومة بإيذاء الأخرين الإلحاح عليه من جديد..

وكما أعتاد جون، فإن أي هجوم يقوم به، لابد للهجوم الذي يليه أن يكون أشد ضراوة، و بما أن آخر ما انتهى إليه هو محاولة قطع حلق، فإن نقطة البداية بالنسبة إليه هذه المرة ستكون هي القتل.

وفي الثاني والعشرين من أغسطس عام 1982, كان جون يذرع الشارع جيئا و ذهاباً، يتفحص بعناية كل من يمر بجواره، باحثاً بينهم عن الأكثر هشاشة كي يستدرجه، حتى اصطدم به أخيراً.

في نفس هذا اليوم، غادر ريتشارد ستيتسون “ريكي” البالغ من العمر 11 عامًا منزله في الساعة الثامنة إلا ربع مساءاً لممارسة رياضة الركض على طول ممر في باك كوف، في شمال بورتلاند. و في ذلك الوقت من فصل الصيف، كان ضوء الممر لايزال مغلقا بعد؛ إلا أنه كان مأهولًا براكبي الدراجات والعدائين والمتنزهين.

و بينما يركض ريكي كما اعتاد دائما‏، كان جون يتبعه بدراجته، حتى وصلا إلى مكان معزول. عندها، هاجمه جون و طرحه أرضاً، ثم لف ربطة عنق حول رقبته من الخلف إلى أن لفظ أنفاسه.. وقف للحظات يتأمل الجثة، فأحس بأن الأذى الذي ألحقه بالصبي غير مرض بعد، و أن الاكتفاء بخنقه لا يشبع ميوله؛ فنزع جزء من ثيابه وأمسك سكيناً، و سدد إلى صدره ثلاثة طعنات، وعض ساقه وبعض أجزاء من جسده في أكثر من مكان كما لو كان يحاول التهام شيء صالح للأكل؛ إلا أن محاولاته قد باءت بالفشل، و انتبه أنه قد ترك آثار أسنانه بقوة على ربلة ساق ريكي، فأخذ سكينه، واقتطع الجلد الذي يحوى آثار أسنانه قطعة تلو الأخرى، حتى اكتشف إن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً لا يملكه؛ فعاد أدراجه.

وعندما تم استجواب الناس فى ممر باك كوف، أكد العديد منهم على رؤيتهم لريكي فعلاً بينما كان يركض ولاحظوا وجود شاب يتبعه، فألقي القبض على شاب يدعى جوزيف أندرسون بتهمة قتل ريكي، لكن في فبراير عام 1984، تم إطلاق سراحه، أي بعد سنة تقريباً، لأن علامات العض على ساق ريكي لم تكن، متطابقة مع أسنانه، و بمرور الوقت باتت القضية باردة لا جديد فيها.

يمضي أكثر من عام على الجريمة الأولى، كان جون خلالها قد قدم طلباً للالتحاق بوظيفة في القوات الجوية الأمريكية تم قبوله، حيث تدرب كفني رادار، وانضم إلى فرقة الكشافة المحلية، ليصبح مساعداً لقائد الكشافة.

و بينما كان جون يتسكع حول قاعدة سلاح الجو في أوفوت مقر عمله، وقعت عيناه على داني جو إيبرل البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً. وهو فتى توصيل الصحف في الحي، يقف بجوار دراجته ويضع البعض منها فى يديه استعداداً لإلقاءها أمام الأبواب.

و بينما كان الصبي الصغير ما زال أمامه تسليم سبعة وستين جريدة بعد من أصل سبعين واحدة بحوزته لجريدة أوماها، و دوامه قد أوشك على الانتهاء، لم يشك البتة في وجود حيوان مفترس على مقربة منه يتربص به استعدادا للانقضاض عليه. فانتهز جون الفرصة السانحة وداني يسير بدراجته، و أخذه على حين غرة، ثم قيده و ألقى به في صندوق سيارة، وتوجه به إلى وجهة نائية ومعزولة.

ترجل عن السيارة، وراح يفك وثاق الصبي و يجرده من ملابسه، وأعاد أحكام الحبال على جسده من جديد، عندئذ سأله داني: ” هل سأموت؟” و رد عليه جون بالإيجاب.

أحس داني بالهلع، ولكن سرعان ما اتخذ جون قراره بأن لا يسمح له بالعيش، لأنه لا يضمن ألا يشي به، فتناول سكينه من جديد، وراح يغرسها في ضحيته، دون أدنى إشفاق أو تأثر بصرخات استغاثته؛ بل ونحت ما يشبه النجمة على جسمه. و مثل طقوس الجريمة السابقة، لم ينس عض الجثة عدة مرات، ثم محاولة إزالة آثار أسنانه بالسكين.

و قد افترض روبرت ريسلر، محلل مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه من المحتمل أن يكون مرتكب هذه الجرائم، شاب أبيض، ذو دوافع جنسية.

ما تكاد تمضي على هذه الجريمة ثلاثة أشهر، حتى لا يطيق جون صبرا على جريمة قتل أخرى لصبي آخر . فينطلق بسيارته السوداء المخصصة لاصطياد فرائسه، إلى حيث مدرسة بلفيو، كي يتسنى له اختيار الصبي المسكين الذي سينفس فيه عن خيالاته الرهيبة، و كان سوء الحظ هذه المرة من نصيب ولد يدعى كريستوفر والدن، لا يتجاوز عمره اثنتي عشرة عاما، ابن ضابط في القوات الجوية، كان في طريقه إلى مدرسته.

اقترب جون منه بدهاء الأفاعي، و أخذ بمحادثته، و من ثم أشهر في وجهه السكين، مهددا إياه كي يصعد إلى سيارته، و رغم أن كريستوفر في تلك اللحظة كان محاطاً ببعض الأشخاص، إلا أنه خاف من طلب المساعدة و صعد إلى السيارة التي انطلقت إلى وجهة مجهولة.

توقفت السيارة في منطقة غابات، على بعد حوالي 3 أميال من مسرح جريمة داني على جانب الطريق. ولف جون يديه حول رقبته ودفع رأسه ليصطدم بالأرض، شرع في خنقه، إلا أن يداه أصيبتا بالخدر جراء البرد، فأخرج سكينه وطعنه حتى الموت، ثم مرر السكين على رقبته وقطع حلقه وحفر نجمته إياها على جسده.

حتى تم اكتشاف امره و اعتقاله، خضع جون جوبيرت لعدة تقييمات نفسية. وصنف على إنه ذو ميول سادية، ويعاني من اضطراب الشخصية الفصامية، الذي يتميز بعدم الاهتمام بالآخرين أو بتكوين العلاقات الرغبة الدائمة في العزلة عن كل الناس. و صُنف أيضاً على أنه مثلي جنسياً خفي، بسبب أنه صرح بعدم إقامة علاقة مع فتاة من قبل وانجذابه الي إيذاء الذكور بشكل خاص.

وعلى الرغم من التقييمات المتعددة التي تشير إلى أن جوبيرت، كان يعاني من الوسواس القهري، بجانب الاضطرابات السابق ذكرها، فإنه في نظر القانون كان في كامل إدراكه ووعيه وقت ارتكب تلك الجرائم . وحُكم عليه بالإعدام فى جريمتي قتل داني جو إيبرل وكريستوفر والدن. في 16 يوليو 1996، توفي جون جوبيرت على الكرسي الكهربائي في نبراسكا .كان عمره 33 سنة.