الرجل الذي حرك ... إن لم يكن جنن العالم.. الرئيس ”ترامب”

لا أحد ينكر أنه منذ أن تبوء ترامب سدة الحكم في البيت الأبيض، وهناك فورة في القرارات المتخذة من جانب ترامب، الذي أحدث حراكا فظيعا في النظام العالمي سياسيا واقتصاديا، وداخل المجتمع الأمريكي، وفي علاقات أمريكا مع العالم الخارجي. وكل هذا مقارنة بكل الخمول الذي عانت منه أمريكا في عهد الرئيس الأسبق جو بايدن.
الحرب التجارية بين أمريكا ضد كندا والمكسيك
فيما يتعلق بقارة أمريكا الشمالية، ترامب بدأ فترته الرئاسية بصدام كبير، وصل إلى حد الحرب التجارية مع جيرانه في الشمال كندا وفي الجنوب المكسيك، بدعوي أن أمريكا تحقق عجزا في الميزان التجاري، فضلا عن تسهيل كل منهما لتهريب المخدرات خاصة الفانتانيل والمهاجرين غير الشرعيين. ومن ثم كان أهم أداة لدى ترامب هي عقابهما عن طريق فرض رسوم جمركية قدرها 25% على صادرات كندا والمكسيك إلى الولايات المتحدة.
هذه الرسوم الجمركية أشعلت حرب تجارية كبيرة بعد أن قررت كل من كندا والمكسيك المعاملة بالمثل وفرض رسوم جمركية بذات القيمة 25% على المنتجات الأمريكية المتجهة إلى كلا من الدولتين. نعم ترامب عطل أو أجل فرض هذه الرسوم لمدة شهر، حتى يري إجراءات عملية من جانب المكسيك وكندا لضبط إن لم يكن منع تهريب المخدرات لأمريكا ولتقييد ومنع حركة المهاجرين غير الشرعيين.
لم ينكر ترامب أو صناع القرار الأمريكي أن المجتمع والاقتصاد والمواطن الأمريكي سيعاني الكثير هو الأخر من فرض كندا والمكسيك رسوم جمركية كبيرة على المنتجات الأمريكية، ستقود في النهاية إلي زيادة الأسعار وفقدان وظائف للمواطن الأمريكي، شأن المواطن الكندي والمكسيكي.
ترامب يعلم جيدا أنه مفاوض وتاجر صعب في آن واحد، وهو ما جعل الكثير يفهم عقليته ولا يقبل بالرضوخ لها بسهولة، لأن ترامب يفهم لغة القوة والعند والتحدي والمعاملة بالمثل.
شطحة شراء غزة وتهجير الفلسطينيين لدول مجاورة
لم تتوقف قرارات ترامب التي هزت العالم عند الحرب التجارية، بل في منطقة الشرق الأوسط، ولدعما لدولة إسرائيل ورئيس وزراءها بنيامين نتنياهو، فقد بدأ ترامب فعليا في تنفيذ صفقة القرن والتي مفادها تفريغ غزة كلية من الفلسطينيين. وهنا ظهرت مقترحات ترامب التي أثارت الاضطراب والريبة في المنطقة.
مرة ترامب يعلن أنه سيشتري كل أرض غزة، ويقوم بإعادة إعمارها مع شركاء من مصر والأردن، لتحفيزها على استقبال اللاجئين الفلسطينيين من غزة، بما يريد إسرائيل من هذا الكابوس. ومرة تخرج تصريحات إسرائيلية برعاية ترامبية بأن تستضيف السعودية عبر تخصيص جزء من مساحتها الشاسعة لاستقبال مليوني غزاوي.
بالطبع الشجب والتنديد بهذه المشاريع هي اللغة السائدة في الأوساط العربية والخليجية والإسلامية والشرق أوسطية، والكل يرفض القضاء علي القضية الفلسطينية بتهجير الغزواية وبيع غزة لأمريكا، مقابل إغراءات لمصر والأردن من عينة المشاركة في مشاريع الإعمار، وسداد الديون، ومنحهما المليارات من الاستثمارات الأمريكية.
هذه اللعبة الأمريكية بقيادة ترامب، هي بالفعل أمر محرك لفعاليات النظام الإقليمي الشرق أوسطي والدولي بعد سنوات من الخمول في عهد بايدن. لكن للأسف هي كلها أحداث يقف وراءها ترامب لمصلحة إسرائيل ونتنياهو ضد مصلحة الفلسطينيين والغزاوية والعرب.
وهنا تبرز أهمية فهم عقلية ترامب، وأن يكون التحرك العربي مثل التحرك الكندي المكسيكي، دولار قصاد دولار، ورسوم جمركية أمام رسوم جمركية، بالطبع هناك تنازلات ستقدمها كندا والمكسيك لكن ليس الخنوع والاستسلام. وهذا ما يجب أن يفعله العرب، الابتعاد عن النضال الحنجوري "الكلامي" والبحث عن حلول وسط عملية برجماتية واقعية تناسب عقلية هذا المفاوض التجار، الرئيس ترامب.
ترامب أعلنها ويعلنها مرارا وتكرار أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من عجز رهيب، ويحتاج لأموال السعودية والخليج، ومن ثم يجب أن تحسن العائلات الملكية والأمراء والشيوخ العرب التفاوض مع ترامب، لا يجب أن تقدم له المليارات مقابل الأمن، لأن الدول العربية قادرة على حماية أمنها بالتعاون فيما بينها عن طريق تكوين جيش قومي عربي قوامه مصر والسعودية والعراق والإمارات ودول المغرب العربي ذات التعدادات السكانية الكبيرة.
من المهم أن يتوقف العرب عن النضال بالكلمات، ويلجأوا للنضال والدفاع بالأفعال على أرض الواقع، نعم اتحاد العرب قوة، مثلما هم تنسيق كندا والمكسيك قوة.
غزة، في مفترق طرق بعد أن أصبحت ضحية للجهاد الحنجوري لحركة حماس، التي تحرك الأحداث لمصلحة إسرائيل، والشعب الفلسطيني في غزة هو الطرف الوحيد الذي يعاني بشدة فقدان المأوي والمسكن والغذاء والأمن والطمأنينة، وأجيال كاملة من الأطفال ولدت وتتربي في ظروف أقل ما يقال بأنها مدمرة. الجميع يستحق فرصة للحياة، إن لم تكن الحياة الكريمة على الأقل.
ترامب لن يتوقف عن قرارات المثيرة، التي تهز أركان النظم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إقليميا ودوليا، ولكن من لا يريد أن يخسر أمام ترامب عليه أن يكون مناورا ومفاوضا قديرا، أحيانا يستخدم القوة وفق مبدأ المعاملة بالمثل، وأحيانا أخري يترك لك بعض الفتات، لأن هذا المفاوض هدفه الرئيس تحقيق المصلحة.
الصين وروسيا ينتظران بشدة الدخول إلى دائرة الأحداث
أما بالنسبة لكل من الصين وروسيا الاتحادية أكبر قوتين مناوئتين للولايات المتحدة وترامب، فالصين تحاول التروي وتتبع الطرق الدبلوماسية والدولية برفع دعاوي أمام منظمة التجارة العالمية، وتفرض رسوم مبدئية 10% على المنتجات الأمريكية، لأن منتجاتها لم تسلم من قرارات ترامب.
أما روسيا الاتحادية، فتعرف جيدا أن ترامب كان يرواغ عندما كان يعلن خلال حملته الانتخابية أنه سينهي الحرب الروسية الأوكرانية بمجرد انتخابيه، خاصة بعد استقبال الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولنتابع تطور الأحداث.