عبد المسيح يوسف يكتب: التنمية والمواطن السلبي
هل فقد الناس الإيمان بالتنمية، بعد أن فقدت بريقها وزاد الحديث عنها بعيدا عن جنى ثمارها؟ بالطبع لا، لا تزال للتنمية بريقها، ودورها في تحسين ظروف المعيشة للمجتمعات والشعوب، والعيب ليس في التنمية، ولكن في من يطبق التنمية. فهناك دول لا نعرف الكثير عن قادتها، على المستوى الإعلامي، مثل فلندا، السويد، الدانمارك، وسويسرا، وتعد في مقدمة دول العالم المتقدم، وفق مؤشرات التنمية، وذلك بفضل الطبيعة المؤسسية وحزم القوانين والتشريعات، التي تنظم جهود وتوزيع ثمار التنمية.
هذه الحقيقة تبرز على السطح إذا أردنا بصورة جدية تغيير ظروف المجتمع ومواجهة الإرهاب، خاصة عند البوابة الشرقية لمصر، في سيناء ومدن القناة. وبعيدا عن مدارس التحديث والتطور والتخلف والتبعية، من المنظور الأوروبي، أو منظور دول الجنوب، فسيناء وكل مدن البوابة الشرقية، ومنها بورسعيد والإسماعيلية والسويس، في حاجة حقيقية للتنمية.
فالإرهاب المنتشر في سيناء، لن نستطيع مواجهته فقط بالسلاح، ولكن أيضا بالتنمية، والتنمية المستدامة، التي تحفظ للأجيال القادمة الحق في نصيب عادل من ثمار وتراكم الثروات في الحاضر والمستقبل.
وبعيدا عن التصريحات البراقة، وبعد النجاح الواقعي لتنفيذ المشروع الوطني لقناة السويس الجديدة في منطقة حيوية من الناحية الجيواستيراتيجية لمصر، أصبح من الضروري الإعلان عن خطط التنمية التفصيلية لمدن هذه البوابة الشرقية المفصلية للأمن القومي المصري. فمن الناحية الاقتصادية والأمنية والسياسية، الاستثمارات التي يفترض أن توجه للعاصمة الإدارية الجديدة المزمع تنفيذها، من الأفضل أن توجه لتطوير هذه المنطقة الشرقية، وعلي الحكومة أن تحدد أولوياتها وفق المتاح لها من موارد.
لقد أثبتت المجموعة، التي قادت تنفيذ قناة السويس الثانية، أو أيا كانت التسمية، أنها مشروع وطني عظيم، أنجز باقتدار، أننا في حاجة إلى مجموعات مناظرة لتنفيذ مشاريع التنمية في منطقة سيناء ومدن القناة، التي يجب أن تمتد بالمعني الجيواستيراتيجي ليشمل أجزاء كبيرة من سيناء، حيث تنتشر جماعات "أهل الشر" للتطرف والإرهاب الديني.
المواطن المصري في سيناء، في حاجة ليشعر بأن المجتمع والوطن الأم مصر، يفتح ذراعيه له، ويؤكد له أنه ليس مواطنا من الدرجة الثانية، ولا يقال عليه بدوي –مع التقدير لهذه الحقيقة- لكنه مصري شأن كل المصريين، بعيدا عن أزمات ودوائر الهوية، التي قسمت مجتمعات وأذلت أخرى، لمصلحة قوى إرهابية وجماعة الشر، المتاجرة باسم الدين.
والمسؤولية هنا لا تقع علي عاتق الدولة والمجتمع المصري ليمد يديه للمواطن المصري –السيناوي- ولكن علي المواطن السيناوي أيضا واجب الخروج من سلبيته. فكما قال صمويل هانتجتون في كتابه عن الحداثة والتنمية والسياسة والنظام السياسي، إن المجتمع التقليدي يتسم الإنسان فيه بالسلبية والميل للإذعان، ولا يؤمن بقدرته على التغيير الإيجابي، بالمقارنة بالإنسان المبادر في المجتمعات الحديثة والمتقدمة.
إن تنمية البوابة الشرقية لمصر، بمدنها المختلفة، سيخصلنا تدريجيا من نفوذ المركز القاهري، ويحد من التوزيع اللامتكافئ للموارد والثروات بين العاصمة، والمدن الحدودية، وعلاقات الغيرة وعدم الرضاء وعدم التجانس -التي يجب أن نعترف بها- من سكان هذه المدن تجاه القاهرة الكبري "المصاروة"، المسيطرة والمستحوذة علي كل الموارد والمناصب.
إذا نجحنا في تحقيق التنمية وفق خطط تفصيلية معلنة، تشارك القيادات الشعبية والمجتمعية المحلية، في مدن البوابة الشرقية، في رسمها وتنفيذها، بعيدا عن النخب التقليدية المعتادة، فإن المواطن المصري "السيناوي والسويسي والبورسعيدي والإسماعيلاوي"، سيشعر أن هذه الخطط التنموية تعبر عن احيتاجاته وتطلعاته، لأنها جزء منها، وليس مجرد خطط مفروضة من أعلى لا تعبر عن احتياجات هذه المجتمعات.
وتحتاج التنمية لرأس المال والاستثمارات، ولذا فبدلا من توجيه مليارات لبناء عاصمة إدارية جديدة، خاصة وأن مصر بها العديد من المدن الجديدة، في القاهرة، العاشر، وأكتوبر، الشيخ زايد، والمنيا، وغيرها ... فنحن في حاجة للتنمية المستدامة في مدن البوابة الشرقية لتنمية الأرض والإنسان، بدلا من مجرد مباني للعاصمة الإدارية، لن تزيد الارتباط والانتماء والرضاء بين المواطنين المصريين في هذه المدن، والدولة المصرية.
هذه التنمية المستدامة يجب أن يصاحبها خطط مكملة وضرورية، يأتي في مقدمتها تطوير التعليم المصري، ليس في مدن البوابة الشرقية المصرية، بعيدا عن سطوة نفوذ الإخوان سابقا والسلفيين حاليا، ليكون تعليما مصريا خالصا، يغرس قيم المواطنة الحقيقية، بعيدا عن أى اعتبارات أولية دينية أو جغرافية أو عرقية، فالمصري له من حقوق وعليه من واجبات، في الصياغات القانونية والدستورية، والممارسة الفعلية، والتي هي الفيصل الحقيقي، أيا كانت مدينته، التي يعيش فيها.
هنا نستطيع الحديث بسهولة عن وأد الفكر والخطاب الإرهابي لجماعات وأهل الشر في سيناء وغيرها من مدن مصر. وستكون مهمة الأجهزة الأمنية المصرية، المنوط بها مكافحة الإرهاب والقضاء عليه سهلة، بفضل الظهير الشعبي المتحالف والمتوحد معها لمواجهة أعداء الأمة والوطن المصري.