عبد المسيح يوسف يكتب: مريم ملاك .. أيقونة مصر اليتيمة
نجحت الفتاة الصعيدية المصرية مريم ملاك، والمعروفة قضيتها، بقضية "صفر الثانوية"، رغم أنها لم تحصل علي حقها بعد، في هز عرش الفساد، في واحدة من أكبر المؤسسات المهترئة في مصر، وهي وزارة التربية والتعليم.
قالها قديما أمير الشعراء أحمد شوقي "من علمني حرفا صرت له عبدا". لكن للأسف مع مرور السنوات، وبفعل الفساد المتفشي في وزارة التربية والتعليم، أصبح المعلم لا قيمة له أمام جنيهات الدروس الخصوصية، التي يدفعها الطالب، ليشتري بها المعلم.
بالفعل هناك عدد من المعلمين أصحاب المبادئ ولكنهم قلة. خاصة إذ ما عرفنا أن الاقتصاد غير الرسمي للدروس الخصوصية في مصر يتجاوز 16 مليار جنيه سنويا، بما يعادل تقريبا 25% من الميزانية الرسمية لوزارة التربية.
قضية مريم ملاك، وتسرع وزير التربية والتعليم محب الرافعي في اتهام الفتاة الضعيفة المظلومة بأنها تستحق الصفر، يفتح المجال للتفكير المنطقي في أسباب هذا التسرع في الحكم علي تظلمها، بشأن تبديل أوراق إجاباتها في الثانوية العامة لقسم علمي علوم، لتحصل علي صفر.
والله أمر غريب أن يحصل طالب في الثانوية العامة علي صفر، فمريم ملاك المعروف عنها تفوقها في مراحل التعليم المختلفة، فضلا عن تفوق أشقائها، إذ أن شقيقيها من خريجي كلية الطب.
هذه الفتاة اليتمية، والتي توفى والدها، تستحق كل تقدير واحترام ودعم مساندة، لأنها هزت جبروت الفساد في وزارة تحصل علي حصة كبير من ميزانية مصر تقدر بنحو 62.7 مليار جنيه، بزيادة قدرها 13 مليار جنيه فقط حلال العام الأخير.
هذه الفتاة الصغيرة، اليتيمة الأب، الواهنة البنيان، استحقت تعاطف الرأي العام المصري، بل والدولي، بعد اهتمام الكثير من وسائل الإعلام العالمية بهذه القضية، التي رغم أنها تعبر عن حالة فردية، لكنها تعكس فساد مستشري في أركان مؤسسات الدولة. وكيف أنه بالغش يفقد طالب وإنسان متفوق مستقبله، لمصلحة إنسان آخر فاشل، يتمتع أحد والديه بعلاقات التأثير والنفوذ، بما بجعله يسرق نجاحات لا يستحقها.
وزارة التعليم، إحدى أهم المؤسسات الفاشلة في مصر، والمسؤولة بدرجة كبيرة عن حالة التخلف والوهن الاقتصادي والمجتمعي، وتفشي الإرهاب في المجتمع المصري. إنها وزارة المحسوبيات والعلاقات الشخصية، والتوجهات غير السوية بين أوساط عدد يعتد به من المدرسين السلفيين والإخوان، علي المستوى التدريسي، والإداري في العملية الإدارية.
مريم، هذه الفتاة الصعيدية المصرية، الجدعة، تستحق أن تكون شخصية العام 2015، لأن الدفاع المستميت لوزير التعليم محب الرافعي بأنها كاذبة، لم يثنيها عن المطالبة بحقها.
ولكن الطامة الكبري كانت بإعلان الطب الشرعي أن مريم تستحق الصفر لأن أوراق إجاباتها كانت خالية من أى إجابات وخطها في أوراق التصحيح هو ذات الخط الذي تستحق عليه الصفر. وتجاهل المتحدثون الرسميون بأسماء هذه المؤسسات أنهم يكسرون الأمل والإنتماء في فتاة مصرية، ربما تفوقها يجعلها مصدرا للفخر لكل مصر، مثل السير مجدي يعقوب والبروفيسور فاروق الباز والبروفيسور أحمد زويل، الذي تعلموا في مدارس مصرية، لكنها فروا للخارج هروبها من بطش الفاسدين. كما أن مصداقية الطب الشرعي محل تساؤلات منذ فترة حكم الإخوان، والرئيس المخلوع محمد العياط.
وكمواقفه المعتادة الجديرة بالاحترام والتقدير، شارك الفنان القدير محمد صبحي، بمداخلة في برنامج "هنا العاصمة" مع لميس الحديدي علي قناة CBC، ليؤكد أن ظلم مريم لا يجب أن يستمر، ويجب أن تتعب الدولة المصرية لترد لها حقها، خاصة وأن هناك احتمال أن وزارة التربية والتعليم ربما استعانت بخبير خطوط لتزوير خط مريم. وشدد الفنان القدير محمد صبحي على أن اعتراف وزير التعليم بحق مريم في التفوق والحصول علي الدرجات النهائية لا يقلل من قدره. وأبدى الفنان القدير استعداده لتحمل كل نفقات مريم لاستكمال تعليمها خارج مصر.
فجرت قضية صفر مريم ملاك تساؤلات عديدة، عن تفشي الفساد في مختلف مؤسسات الدولة، وأين دور الأجهزة الأمنية في انتقاء الموظفين لشغل الأماكن الحساسة في الوزارات المهمة، خاصة وأن المتحدث الرسمي باسم وزارة التعليم هاني كمال، إخواني وله تسجيلات فيديو علي شبكات التواصل الإجتماعي يعلن فيها تأييده المطلق للرئيس المخلوع الإخواني مرسي العياط ومشروع النهضة الإخواني. كما أنه لا يعقل أن هذا الممثل/المتحدث ينفي عن مريم حقها في التظلم، ويعلن أن الوزارة سترفع عليها قضية، أى كوميدية ساخرة هذه، التي تمارسها وزارة التعليم سبب كل مصائب مصر.
ننتظر الكثير من المجتمع المدني، الذي يتدخل للدفاع عن حقوق المساجين من قيادات الإخوان المسلمين، الذين أعطوا الأوامر لتنفيذ العمليات الإرهابية والدموية في مصر، لكي تدافع هذه المنظمات عن قضية مريم ملاك، ويتضامنوا معها للدفاع عن حقها، واسترداد تفوقها المسروق لمصلحة طالب فاشل سارق، ربما يحتل مركزا حساسا في الدولة مستقبلا، يكون نتائج قراراته وبالا على المجتمع المصري.
حسنا فعل المستشار الدكتور إيهاب رمزي، محامي مريم ملاك، بالإعلان عن التقدم ببلاغ للنائب العام، خاصة وأن هناك احتمالات للتلاعب في أوراق الإجابات، وربما تزوير خطوط مريم، والطامة أن الوزارة تكابر ولا تعترف بذلك دفاعا عن مليارات من الجنيهات تنفق هباء علي مرتبات وعلاوات وكوادر خاصة للمعلمين!!
نجحت مريم في كسب تعاطف الرأي العام المصري والدولي، وهذا سيزيد من تصلب بارونات الفساد في وزارة التعليم للدفاع عن كراسيهم.
لكننا ننتظر قرار وطني عادل، من مسؤول كبير، يعيد الحق لمريم أيقونة مصر اليتيمة، ويعيد ثقة المواطن المصري البسيط، في عدالة مؤسسات الدولة المصرية، وإلا فلماذا قمنا بثورتي 25 يناير و30 يونيه؟