عبد المسيح يوسف يكتب: إقتحام نقابة الصحفيين .. علامة سوداء في جبين المحروسة
غريبة هي تصرفات وزارة الداخلية، فبعد أن بدأت تسترد عافيتها شيئا فشيئا، بفضل عناصر عدة من بينها دعم الصحافة لها. إلا أن انتهاك حرمة نقابة الصحفيين، محراب الحرية في كل دول العالم، مثل علاقة سوداء في جبين المحروسة، مصر أم الدنيا.
فحسب روايات الداخلية، التي لا يثق فيها إلا قلة فإن مأمورية من 5 ضباط قاموا القبض علي صحفيين معتصمين داخل حرم النقابة. في حين أن نقيب الصحفيين يحي قلاش صرح بأن مأمورية من أكثر من 50 فردا في زي ملكي ما بين ضابط وعسكري قامت باقتحام النقابة، للقبض علي الزميلين.
وهنا تطرح عدة تساؤلات جوهرية علي متخذ هذا القرار غير الرشيد، هل الداخلية تتصور أنها بذلك ستكسر شوكة الصحفيين؟ الاجابة القاطعة، لا. هل هناك ثأر بين النقابة كجماعة صحفية والداخلية، لا أعتقد هذا. لأن الجماعة الصحفيين كانت أول من وقف وراء مؤسسة الداخلية، كجهاز أمني وظيفته حماية الجبهة الداخلية، واستتباب الأمن داخل مدن وقري ونجوع مصر المحروسة، بعد أن كسرتها بقوة ضربة الجماعات الإرهابية في ثورة 25 يناير، وكان ينتظر أن تصون الداخلية هذا الجميل للصحافة، التي وقفت وراء استرجاع الدور الوطني والأمني للداخلية.
هل تسعي الداخلية من وراء اقتحام نقابة الصحفيين تأكيد صورتها السابقة بأن صاحبة الكلمة الأولي والأخيرة في المجتمع؟ بالتأكيد أنها تعرف والكل يعرف من صاحب هذه الكلمة، وأنه لولا تكاتف قوى وطنية كثيرة من بينها الصحافة لما نجحت الداخلية استرداد دورها، في توقيت بعد الثورة كان بعض عناصر الداخلية يخافون علي حياتهم من الإعلان عن انتمائهم لهذه المؤسسة؟
وزارة الداخلية جهاز وطني صميم، ولكنه أدائه يعادي المواطنين، حتى أنه في هذه المرة، سواء كان عن وعي أو لا، فإنها أضر برئيس الدولة عبد الفتاح السيسي. إن عملية الاقتحام تناقلتها وكالات الأنباء العالمية، باعتبارها ملمحا قويا علي السلطوية والاستبداد وانتهاك الحرية، التي هي أحد أهم ملامح الديمقراطية.
هل مصر المحروسة أم الدنيا، في حاجة إلى مثل هذه البلبلة، فصورة البلد في الخارج لا يحسدها عليها أحد، بسبب قضية الشاب الإيطالي ريجيني، وغياب أى نتائج لهذه التحقيقات علي الرأى العام المصري والعالمي خاصة. فلماذا نعطي الفرصة للخارج أن يهجمنا. فمصر في حاجة لمزيد من الاستقرار الداخلي والعلاقات الخارجية الإيجابية، ليس فقط مع دول الخليج، التي تعلمت أن كل ما ستعطيه لك سيكون له مقابل. فإن لم تحارب بدلا منها، فستحصل علي نفوذ وامتيازات أخرى، مقابل التدفقات المالية، التي تقدمها لها.
لا يستطيع أحد أن يكون مع هدم أى مؤسسة من مؤسسة الدولة المصرية العريقة. لكننا يجب أن نبذل كل الجهد لتقويم سلوكيات وسياسات أى مؤسسة يكون من نتائجها الإضرار بمصر.
هل يدري صانع القرار في وزارة الداخلية ماذا فعل بصورة مصر في الإعلام الدولي؟ وأن اقتحام نقابة الصحفيين محراب الحرية جعل هذا الإعلام ينعت النظام الحاكم في مصر بأنه نظام سلطوي استبدادي.
علي الرغم من أن الجميع يعلم الدور الوطني للرئيس عبد الفتاح السيسي، في حماية مصر من جماعات الشر والإرهاب، التي كانت ستحول مصر لبرك من الدماء، حما الله مصر، ووقاها شر بعض أبنائها.
إن العلاج الموضوعي للوضع الحالي، يتطلب أن ترد لمؤسسة نقابة الصحفيين كرامتها، التي انتهكت لأول مرة من 1940، تاريخ تأسيس النقابة، من خلال قرار يتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي، يؤكد من خلاله دوره الوطني، بحماية الحريات المنصوص عليها في الدستور والقانون، ويؤكد أن اقتحام النقابة كان مجرد قرار أهوج من مسؤول أمني لا يقدر التبعات السياسية لمثل هذه النوعية من القرارات.
فعلي مستوى وزارة الداخلية، يجب أن تعلم جيدا أن المواطنين المصريين، علي مختلف فئاتهم يقفون خلفها بقوها لصون الجبهة الداخلية، طالما أن سلوكياتها كانت لمصلحة المجتمع والمواطنين وليست ضدهم.
كما أن نقابة الصحفيين عليها أن تفعل أكثر من أدوارها، بعد أن أصحبت المهنة، "مهنة لا مهنة له"، وجذبت ناس من كل صوب وحدب، وهو ما أدى لصعوبة تنظيمها، وبسط النقابة يدها بفاعلية علي كل المنتمين رسميا لها، أو من يدعون الانتماء له.
التصعيد في الوقت الحالي ليست من مصلحة مصر، ولكن هذا لا يجب أن يعني عدم المحاسبة السياسية والتنفيذية لمن اتخذ قرار اقتحام نقابة محراب الحرية؟ بل إن هذه المحاسبة ستحسن من صورة مصر في الخارج، ويجب علي من اتخذ هذا القرار أن يقدم استقالته فورا، وقبلها يقدم اعتذاره العميق للنقابة.
علي الجانب الآخر، على نقابة الصحفيين أن تضبط سلوكيات العاملين في القنوات التليفزيونية، التي بثت هذه الصورة الرديئة عن الصحفيين والإعلاميين، باعتبارهم سحرة فرعون، خاصة وأن المواطن البسيط، لا يستطيع التمييز بين من يعمل في قنوات تليفزيونية، ومن يعملون في الصحف؟
إن جزء كبير من الطاقة الكبرى، التي تعيشها الجماعة الصحفية تعود إلى عشوائية عمل الكثير من القنوات، التي لا تخدم إلا علي مصالحها الخاصة، ومصالح مجموعة المستثمرين الممولين لهذه القنوات، حتى لو كانت ضد الصالح العام.
لا ندعو لجهاز يراقب حرية الإعلام والرأى، ولكن ندعو لحزمة قوانين وتشريعات ومؤسسات تراقب مسؤولية الإعلام تجاه سلام واستقرار المجتمع والدفاع عن مصالحه الوطنية.
إن مصر، لكي تحيا آبية كريمة، يجب أن ترد كرامة نقابة الصحفيين، وأن يدعم الجميع كل مؤسسات الدولة، بما فيها وزارة الداخلية، وأن تعيد بعض مؤسسات الدولة النظر في سياساتها تجاه المجتمع والمواطنين، لأن مكاسب الحرية، التي تحققت بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيه، لن يستطيع أى أحد أن يقلصها، بل علي العكس سيكون الشارع هو الفيصل. وهذا الشارع متاح للشباب المصري الحر الغيور علي مصر المحروسة، ويخافه صانع القرار أيا كان موقعه.