عبد المسيح يوسف يكتب: هل يتمني الليبراليون في كندا خسارة هيلاري للانتخابات الأمريكية؟
لا يجب أن يشعرك العنوان بالتعجب أو الصدمة، خاصة وأن هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، تنتمي لذات المعسكر الليبرالي، مقارنة بالمرشح اليميني دونالد ترامب، عن الحزب الجمهوري. هذه الانتخابات ستجري خلال شهر نوفمبر القادم. والمؤشرات المتنوعة، يصعب معها، التنبؤ بأيهما سيكون ذو النصيب الوافر لدى الناخبين الأمريكيين.
كندا، تعد من أكثر دول العالم اهتماما بهذه الانتخابات، باعتبارها الجار الأكبر للدولة الفيدرالية الأمريكية. والاهتمام الكندي علي المستوى السياسي والاعلامي، تبلور في تصريحات رئيس الوزراء الكندي الليبرالي، جوستان ترودو، الخاصة بالترحيب بالأمريكيين الراغبين الانتقال إلى كندا حال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.
لا يجب أن يتعجب الرأي العام العالمي حال فوز ترامب الانتخابات الرئاسية، ليس لأن هيلاري كما يطلق عليها المرأة الحرباء، أو سيدة الدمار، أو الفاشلة في إدارة ملف ثورات الربيع العربي، وبسببها فقدت الإدارة الأمريكية الديمقراطية الكثير من التأثير في النظام الدولي سياسيا واقتصاديا، لمصلحة الدب الرئيس ممثلا في الرئيس فلاديمير بوتين. هذه كلها ربما تعد أسباب، ولكنها ليست بالمؤثرة بالنسبة لكل من الناخب الأمريكي والكندي، الذي تأتي السياسة الخارجية في نهاية قائمة أولويات.
إذ تعد القضايا الداخلية هي محور تحديد اتجاه الناخب الأمريكي والكندي، ويقصد بهذه القضايا: قضايا الأمن الداخلي ومواجهة الإرهاب، وخفض معدلات البطالة، ودفع عجلة النمو الاقتصادية، وتوفير المزيد من برامج الرعاية الاجتماعية، ومواجهة معدلات الهجرة غير الشرعية، وغيرها من القضايا الداخلية. ويبدو أنه بعد 8 سنوات من حكم الإدارة الديمقراطية، هناك حالة مزاجية لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي، بالتغيير. وهذه دائرة معروفة في توجهات الناخب في المجتمعات الغربية، وتعبر عنها دائما الحالة الفرنسية. فعلي الرغم من المزاج اليساري العام الطاغي علي طبيعة المجتمع الفرنسي، إلا أنه بعد فترة أو فترتين لحكم الحزب الاشتراكي، عادة ما يخسر بعدها اليساريون الانتخابات لمصلحة اليمين أو يمين الوسط. بل ولا يخفي علي أحد أن النظام الانتخابي الفرنسي بها انتقادات كبيرة، بسبب صياغته بصورة مغرضة تستهدف إفشال حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف من الفوز بأى أصوات كافية للمشاركة في صنع القرار، خاصة وأن الجبهة الوطنية تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة في العديد من الدوائر في الجولة الأولي، ولكن في الجولة الثانية تخسر أمام اليسار الاشتراكي أو اليمين المعتدل!
وهذا يفسر أن احتمالات فوز ترامب وهزيمة هيلاري ورادة للغاية. ويدرك الجمهوريون هذه الحقيقة، مثلما يدركها الديمقراطية، ولهذا يسعي ساندرز المرشح الديمقراطي السابق للتنسيق مع هيلاري لتكسب أصوات الشباب واليسار، التي يجذبها بسهولة.
الأمر الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان، أن المجتمعات في أمريكا الشمالية، وتحديدا كندا والولايات المتحدة، اصبح هاجس الأمن الداخلي يأتي في المقدمة، بسبب اشتعال مناطق الإرهاب في الشرق الأوسط، وخاصة للولايات المتحدة، التي فضحتها وسائل الإعلام الدولية، بعلاقات الإدارة الديمقراطية المشبوهة مع جماعات الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية من ناحية، ونمو تيار في أوساط المواطنين والناخبين من ناحية ثانية بأن الأفعال غير الإنسانية التي تقوم بها جماعات الإرهاب الدينية في الشرق الأوسط، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وغيرها من التنظيمات المناظرة، لا يرضي الله، الذي أنزل الأديان لمصلحة وخير البشر، وأن الله سيصب جام غضبه علي هذه المنطقة ليؤدبها، بسبب قتلهم للنفس البشرية، التي خلقها الله، كذبا وزورا باسمه. هذه الصورة تنتشر لدى أوساط يعتد بها هنا في أمريكا وكندا.
ويدرك جيدا القائمون علي حملة ترامب هذه الصورة، ولذا يتم تسويقه علي أن جزء من نجاح ترامب، سيكون جزء من إرادة إلهية، لمواجهة الإرهاب الدولي، القادم من منطقة الدماء والدمار، المعروفة سياسيا باسم الشرق الأوسط. ويكسب القائمون علي حملة ترامب أصواتا يوما بعد الآخر، بسبب الخلفية الاقتصادية القوية للملياردير الأمريكي وقدرته علي إدارة الاقتصاد، فضلا عن الاستعداد النفسي للناخب الأمريكي، الساعي لتغير الديمقراطيين القابعين علي كرسي الحكم في البيت الأبيض منذ 8 سنوات.
لا يعني هذا بأى حال من الأحوال ضعف فرص هيلاري. ولكن الترويج لمقولة أنها ستدخل الولايات المتحدة التاريخ، باعتبارها أول سيدة رئيسة للدولة، يرد عليه البعض أنه يكفي دخول الولايات المتحدة حاليا التاريخ بانتخاب رئيس أسود، وأن أمريكا في حاجة لإدارة مختلفة تمنح أمريكا المزيد من القوة داخليا وخارجيا، في ظل فشل الديمقراطيين.
وبالعودة لتصريحات رئيس الوزراء الكندي ترودو، للترحيب بالراغبين في الهجرة أو الانتقال من أمريكا لكندا، علي الرغم من التناسق الإيديولوجي بين ليبرالي كندا وديمقراطي أمريكا، إلا أن فوز ترامب سيدفع بأعداد من الأمريكيين للقدوم إلى كندا، وهو ما يمثل دفعة للاقتصاد الكندي علي مستوى النمو، خاصة الراغبين في ذي في سن قوة العمل المنتجة. مع الأخذ في الاعتبار أن برامج الرعاية والعدالة الاجتماعية في كندا تعد أفضل بكثير من أمريكا، للمهاجرين من مختلف العرقيات والجنسيات، إضافة إلى معدلات الأمن الداخلي.
هذا وتكشف استطلاعات الرأي لمؤسسة إيبسوس IPSOS أن 19% يفكرون بدرجة من الجدية في الهجرة إلى كندا، حال فوز ترامب في نوفمبر القادم بالانتخابات الرئاسية. وبتحليل هذه النسية، وجد أن 28% من الفئة العمرية من سن 18 – 34% يؤكدون هذه الجدية، و26% من الأمريكيين غير البيض، وتحديد من السود وذوي أصول أمريكا اللاتينية وأصول عرقية أخرى، التفكير الجدي للهجرة إلى كندا.
في البداية كانت هذه التصريحات تؤخذ بمحمل التنافس الإقليمي والثقافي والتهكم بين الجارتين أمريكا وكندا. لكن التصريحات السياسية لرئيس الوزراء الكندي، أعطت للأمور طابعها الجاد والواقعي. ويبدو أن ترودو من الذكاء ليطلق هذه التصريحات، خاصة وأن الفئات الراغبة في الانتقال لكندا، تمثل قوة عمل وقوة شرائية، سيزيد من حيوية الاقتصاد الكندي بحلول عام 2017، فضلا عن أنها ستقلل من المخصصات المالية، التي توجهها الحكومة لبرامج تعليم اللغة للمهاجرين الجدد، إذ أن هذه البرامج تركز في جزء منها علي المؤهل العلمي ووجود أطفال صغار، يصبحون مستقبلا مواطنين كنديين كاملين علي كافة المستويات. بالإضافة إلى زيادة معدل الاندماج في المجتمع الكندي، خاصة وأن فئات يعتد بها من المهاجرين الجدد يظلون حبيسي الجماعات العرقية التي ينتمون إليها، علما بأن القاعدة الذهبية للنجاح في المجتمع الكندي، تقوم علي الاندماج فيه، وتكوين صداقات وشبكات علاقات مع الكنديين والكيبيكيين، كأحد معايير الحصول علي الوظائف واكتساب الخبرة في شركات كندية، والحصول علي خطابات توصية لمصادر كندية وكيبيكية حال الحصول علي عمل أم تحسين نوعية العمل، الذي يقوم به الشخص.
ولهذا، هل فعلا يتمني ترودو خسارة هيلاري وفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية، ليستفيد الاقتصاد والمجتمع الكندي؟ سؤال سيجيب عليه نوفمبر القادم.