زينب علي البحراني تكتب: المرأة الشرقية وسلاح الكلمة
لولا شجاعة السيدة "زهرة" التي استوقفت الصحفي والكاتب الفرنسي ذو الأصل الإيراني "فريدون صاحب جم" خلال اجتيازه قريتها لتحكي حكاية ابنة أختها القتيلة "ثريا" ما كان صوتها سيصل إلى العالم كُله فاضحًا الجريمة التي أدت إلى قتلها ظلمًا على صفحات كتاب واسع الانتشار وفيلم يحصد الجوائز بعنوان "رجم ثريَّا"، ولولا جرأة الأستاذة الجامعية الإيرانية آذر نفيسي في كتابيها "أن تقرأ لوليتا في طهران" و"اشياء كنت ساكتة عنها"، والصحفية كاميليا انتخابي فرد في كتابها "كاميليا.. سيرة إيرانية"، و المؤلفة مارينا نعمت في سيرتها بعنوان "سجينة طهران"، والكاتبة ناهيد رشلان في مذكرات "بنات إيران"، والمحامية شيرين عبادي على صفحات كتابها "إيران تستيقظ"، ولولا سطور الباكستانية ملالا يوسف زاي على مدونتها ثم كتابها "أنا ملالا"، ولولا إقدام كل من المغربية "مليكة أوفقير" ووالدتها "فاطمة أوفقير" على نشر مذكرات العذاب الذي قاسته أسرتهما في كتابيهما "السجينة" و"حدائق الملك" لبقيت كثير من حكايات الانتهاكات الإنسانية حبيسة جدران الخوف إلى أن يطويها النسيان بوفاة أبطالها وغياب أصواتهم إلى الأبد، لكن تلك الأرواح الحُرة اختارت التمرّد على الموت بكلماتها لتعيش في ذاكرة ملايين القرّاء بكل اللغات حول العالم منتقمة لذاتها بأكثر الطرق سلمية ورُقيًا، ومتحدية سطوة الظلم بسلاح أشد فتكًا وأطول عمرًا من اسلحته.
من المُلاحظ أن الإناث هن اللواتي يخترن تلك الوسيلة سواء للدفاع عن أنفسهن من خطر مُتوقع، أو للانتقام من جرائم تم ارتكابها بحقهن، ربما لأن رهافة مشاعر المرأة – بوجه عام- تؤدي إلى تراكم كل ما تتعرض له من أذى في المُجتمعات القمعية دون أن تتمكن من مواجهته بطريقة أخرى، وربما لأن طبيعتها التي تُفضل السلام وفطرتها التي تميل لصنع الحياة والحفاظ عليها تجعلها أقرب لهذا الخيار من خيارات أخرى أكثر تسرعًا وعنفا قد تؤدي لفقدانها حياتها، وربما لأننا كنساء نصل أحيانًا إلى تلك المرحلة التي نتمنى فيها الوقوف على أعلى نقطة فوق الكرة الأرضية والصراخ لفضح كل ما تعرضنا له وكل ما عانيناه من أحزان لتسمعنا كل المخلوقات قبل أن نموت على طريقة: "ليعلم الجميع بكل شيء ثم من بعدها الطوفان"، ومن المُلاحظ أيضًا أن نصيب المرأة العربية أقل كثيرًا من نصيب النساء غير العربيات في هذا المجال، وهو أمرٌ يستحق البحث والتحليل، لأننا إذا قارنا بين المرأة في المجتمعات العربية والمرأة في المجتمع الفارسي – على سبيل المثال- نجد أن المرأة الفارسية أغزر إنتاجًا وأكثر جرأة في التعبير عن ذاتها في هذا المجال رغم أن المرأتين تنتميان إلى الشرق الأوسط، وكلاهما تترعرعان في مجتمعين يهيمن عليهما فكر وعادات وتقاليد إسلامية ذات طابع إجباري إلى حد كبير، وبين سطور السير الذاتية المُترجمة المكتوبة بأقلام أنثوية إيرانية نصادف مشاهد ومواقف كثيرة تواجه فيها المرأة الإيرانية أنماطًا مشابهة من أشكال المُعاملة الأسرية والمجتمعية التي تتعرض لها المرأة العربية، ما يجعلنا نتساءل عن السر وراء خشية العربية من المطالبة بحقوقها وفضح الجرائم الإنسانية التي تتعرض لها بقلمها مقارنة بنظيرتها الفارسية.
الكلمات التي تتشبع بروح أفكار انسان مظلوم غالبًا ما تنطلق لتملك حياة مُستقلة بذاتها بعد أن تتحول إلى مارد يقض مضجع سالبيه حقوقه، وإذا كانت الكلمة التي تُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت لازالت حتى اليوم تُعرّض حياة وحُرية كاتبها للانطفاء المُفضي إلى قبر النسيان خلال فترة وجيزة؛ فإن الكلمة التي تولد بين صفحات كتاب واسع الانتشار وقابل للسفر إلى عقول كثير من سكان الأرض عبر لُغاتهم المختلفة لازالت تملك قدرة أكبر على الدفاع عن كاتبها، والمحافظة على حياة اسمه في ذاكرة الأجيال حتى بعد فناء جسده.