زينب علي البحراني تكتب: المرأة.. وتناقضات المجتمعات العربية
قبل شهور قليلة قرأت تقريرًا صحفيًا يناقش ظاهرة السيدات العربيات اللواتي اضطرتهن الظروف غير المستقرة في بلدانهن إلى الهجرة أو طلب اللجوء مع أسرهن إلى بلدان أوروبية؛ وما أن وجدن أنفسهن تحت ظل قوانين جادة في حماية حقوقهن دون تمييز عنصري بين الذكور والإناث حتى ثُرن على واقعهن الذي بُني في بلدانهن رغما عنهن ليستبدلنه بواقع جديد وفق رغبتهن، وبعد أن كان الرجُل يستمد ثقته بنفسه من دعم المجتمع الذي يعتبره أرفع منزلة من المرأة في العالم العربي والإسلامي؛ وجد نفسه وحيدًا أعزل أمام قدرة زوجته وابنته وأخته على استرداد أي حق من حقوقها كان قد سلبه في بلدهما بحُجة أنه "أعرف بمصلحتها" دون أسباب منطقية وموضوعية تجعله مستحقا لتلك المكانة المتفوقة عليها بكل ما يتبعها من سلطات ومميزات.
قبل هذا التقرير كنت قد قرأت خبرًا عن سيدة من بلد إسلامي تقدمت بشكوى لمحكمة إحدى البلدان الأوروبية التي تقيم فيها ضد زوجها لمنعه عن اغتصابها، وما كان من الزوج الذي جن جنونه من حكم المحكمة لصالحها إلا أن اعترض بقوله: "في بلدي يحق لي هذا متى ما شئت مادامت زوجتي وليس لها حق الرفض"، ومن هنا يكمن أحد أهم جذور مشكلات المرأة في تلك البلدان: تعامل المجتمع معها وكأنها أقل انسانية من الرجل، وتربية الرجل على أنه "السيد" الذي يحكم مخلوقا "أدنى منزلة" يجب أن يؤمر فينصاع دون رأي ولا حق في اتخاذ قرار حتى وإن كان شخصيًا.
المفارقة الأكثر غرابة أن تلك المُجتمعات التي تكافح حقوق المرأة وتنصب العراقيل تلو العراقيل في طريق تقدمها هي نفسها التي تُحمّل المرأة مسؤولية عدم هذا التقدم، تقيّده ثم تتهمها بالخضوع، تكمم فمها ثم تتهمها بالصمت، تهددها بعذاب الآخرة إذا لم ترضخ لأوامر والدها وزوجها ثم تتهمها بالسكوت عن الظلم، تلوّح لها بمختلف أشكال العقاب إذا جرؤت على الخروج عن نظام بعض العادات والتقاليد غير الإنسانية ثم تتهمها بالجهل والتبلد وانعدام الكرامة! نحن النساء مُحاصرات من كل الجهات ومُهددات بالطعن في شرفنا وسمعة أهلنا وربما قتلنا إذا جرؤنا على مُصافحة ظل من ظلال الحُرية في حياتنا، ثم يتهمنا هذا المجتمع الذي يُحاصرنا بأننا نحن الكسولات المختبئات في قواقع جبننا الأخرس! بعضهم يقول أننا كي ننال حُريتنا يجب أن "ندفع الثمن"، وهو كلام لا يليق بظروف عصرنا الحاضر ويستهتر بكل ما بذلته الإنسانية على الكرة الأرضية خلال قرون سابقة لتصل إلى ما وصلته اليوم من تقدم على صعيد احترام حقوق الإنسان عالميًا، إذ يُفترض بنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن نتجاهل ما حققه غيرنا لنبدأ الحفر من تحت الصفر، ثم أن النساء في هذه المنطقة كن ولازلن يدفعن الثمن طوال عقود مضت دون جدوى لأن المنظومة المجتمعية تستهتر بهذا الثمن، وكأنهن يبنين قصور في الهواء، وكأنهن يشيدن بيوتا على الرمال، وكأنهن ينقشن قلاعا على صفحة بحر لتلتهم أمواجه جهودهن في لحظة دون تعويض عادل. والمشكلة أن معظم الناس في هذه المنطقة بدل أن يواجهوا أنفسهم بحقيقة الأزمات التي تعيشها المرأة بسبب حرمانها من حقوقها؛ ويسعون للتعاون على حل تلك الأزمات، نراهم يُهدرون جهودهم ووقتهم في اللف والدوران لإقناع العالم بأن المرأة في المجتمعات العربية "نالت كل حقوقها وزيادة" ولا ينقصها شيء، ومن تجرؤ على التعبير عن رأي مغاير يكون مصيرها الاتهام بعدم الصدق.