أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

عبد المسيح يوسف يكتب: حكايات الحرمان والفل (4): المرض والمال

وكلما كبر أبناء وبنات يوسف وفرحة، كلمات زادت المسؤولية والهموم، خاصة وأن دخولهما كانت محدودة، ولكنهما لم يكنا بالمرة بخلاء، بل كان كرماء جدا من أولادهم، وكان يوسف الأب دائما ما يتحدث إلى ابنائه قائلا أن طريقكم الوحيد لتحسين مصيركم ومستقبلكم هو التعليم، ورغم ضيق اليد والحال فأنا (يوسف) علي استعداد إني أعطي عين من عيوني لكل واحد فيكم ولد أو بنت ليتفوق في دراسته. تمر السنوات، ويكبر الأطفال، ويكون لكل من الأبناء والبنات شخصيته، كريمة تتسم بالطيبة والتعامل بحنان وأمومة رغم صغر سنها مع الجميع. أما ماري فكانت حادة الطباع وشقية للغاية ومتمردة ولا تشعر بالرضاء إلا نادرا، أما أمل فكانت كتلة من الطيبة النقية، ونادية (الله يرحمها) كانت فاتنة الجمال وبيضاء البشرة مع عيون بنية صافية. أما مرقس الابن الثاني فكان شديد الذكاء ويتمتع بالحيوية، وجون الإبن الصغير فكان جميل للغاية ويتمتع بعيون خضراء آخاذه، مثلما كانت عيون جده نظير زرقاء صافية. تمر السنوات، وتمرض فرحة مرضا شديدا، بسبب اهمالها الاهتمام بصحتها نتيجة عملها المتواصل بجانب زوجها في مجال الخياطة، لتساعده علي تحمل أعباء المعيشة. وفي نهاية الثلاثينيات من عمرها تصاب فرحة بالغدة الدرقية، وبعد أن كانت تتمتع بقوام فاتن وجذاب، يبدأ الضغط والغدرة الدرقية وافرازاتها الرهيبة في التأثير علي صحتها وجمالها. ويحزن يوسف حزنا كبيرا بسبب مرض زوجته وسنده في الحياة. وتدخل فرحة مستشفي قصر العيني لإجراء الجراحة بالغدة الدرقية. ورغم آلام الغدة الدرقية والضغط، كانت فرحها تفتخر بأبنائها، كريمة التي دخلت كلية التجارة، ويوحنا الذي دخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومرقس الذي دخل كلية الآداب وجميعهم بجامعة القاهرة. وخلال فترة اقامة فرحة في مستشفي قصر العيني، كان يوسف يذهب إليها في نهاية كل يوم عمل ليطمئن عليها ويصبرها، لأن المرض كان يصيبها بالضيق والاكتئاب لأنها كانت فاتنة الجمال، علاوة علي ذكائها الاجتماعي الكبير. وكانت فرحة تبكي كثيرا خلال هذه الفترة. وكان يوسف يحاول التهوين عليها، ويحكي لها كيف أنهما هما الاثنين يتامي، وكيف تطورت أحوالهما وأن الرب لم يتركهما أبدا في حياتهما، وبارك حتى الآن في أولادهم وبناتهم وأن الرب لن يتركها. كانت فرحة تخاف كثير من عملية الغدة الدرقية. وخلال اقامتها في المستشفي التي طالت لأكثر أسبوعين، كان الحوار بين يوسف وفرحة يتناول تطور حياتهما، والمشاكل التي تعرضا لها، سواء بعد التهجر من الإسماعيلية، أو العمل علي باب الله في أسواق العمرانية والجيزة القديمة، حتى الحصول علي وظيفة حكومية في مرفق المياه. وكيف أن الله كان لا يريد ليوسف أن يعمل سائقا علي ميكروباس لأن عينيه اليميني كانت بها مشاكل وكان هذا من أكثر الأشياء التي تؤلمه، لأنه كان يجتهد لزيادة دخل اسرته. لكن كانت أكثر الحكايات، التي تؤلم يوسف، عندما يتحدث عن دور والدته فيكوريا، تلك المرأة الجميلة، التي ترملت وهي في سن الشباب ورفضت الزواج، لكي ترعي أولادها الصغار يوسف وجابر ومجدي وفايزة. وكان يوسف دائما يبكي عندما يحكي لفرحة عن حكاية أصغر أخواته، وهو طفل صغير مات وهو عنده عدة شهور بعد وفاة والده، بسبب ضيق اليد والفقر، فبعد موت نظير والد يوسف، كانت فيكتوريا قد ولدت ولدا ثالثا، لكن هذا الطفل الصغير لم يعش طويلا، ومات بعد وفاة ابيه. ويحكي يوسف أنه تيتم صغيرا جدا في سن أقل من 6 أو 7 سنوات. ولم يجد اى سند في الحياة، غير كلمة الكتاب المقدس، وفرحة، التي شعر أنها كل شئ في حياته، حيث لم تر معه إلا تحديات الحياة والفقر، ومع مرور الوقت، كان الله معهما وبدأت تتحسن أحوالهما. وكانت فرحة تنسي مرضها، وتحاول أن تطيب من خاطره. ومن صدقه معه، كان يحكي لها أنه عندما كان في صدفا، كانت يرغب أن يتزوج من فتاة في طما اسمها فوزية قمحية اللون، لكن والدته فيكتوريا لم تكن تحب فوزية، لأنه لم تكن تريد أن يترك يوسف صدفا ليذهب إلى طما. ويشاء الله أن تكون الزوجة هي أنت يا فرحة، وليست فوزية. فبكل عفوية تسأله فرحة، وأنت لسه فاكرها يا يوسف، فيضحك يوسف بعد كانت كانت عينيه تدمع وهي يحكي لها، وتضحك فرحة. فيقول لها يوسف يا بت يا فرحة ما خلاص أنت بقيتي كل حاجة انت أمي وأختي وأبويا، ويقوم ليقبلها علي خديها، وتتعالي الضحكات رغم الألم. وتجري فرحة عملية الغدة الدرقية، وتذهب إلى المنزل. وعلي الرغم من معاودة الغدة الدرقية لها مرة ثانية بعد سنوات، وتعيد إجراء العملية في مستشفي قصر العيني، إلا أن المرة الثانية تشفي من الغدة، ويستلزم هذا أن تأخذ لها علاجا بصفة منتظمة، مع علاج للضغط الذي بدأ يهاجم صحتها. كانت فرحة هي المدبر لأحوال المنزل وشئونه المالية واليومية. فكان يوسف يثق فيها ثقة عمياء، وكان مع نهاية كل شهر، يحصل فيه علي راتبه من مرفق المياه أو حصيلة عمل يومه علي سيارة الميكروباس كانت يعطيها لفرحة في يديها، لتدبر شئون المنزل، وتنظيم مصاريف كل ابنائها سواء في الجامعة أو سنوات التعليم التجاري الفني لماري وأمل. وكانت سنوات الدراسة صعبة بعض الشئ علي فرحة ويوسف، خاصة لأبنائهم الذين في الجامعة، حيث مصاريف الجامعة المرتفعة، خاصة لأبنهم الذي في كلية القمة، وكان متفوقا للغاية، ومن بين أوائل الكلية. فكان يوحنا بسبب ضيق الحال يمكنه أن يمضي كامل فصل الشتاء ببلوفر واحد، وبدلا من أن يشتري الكتب، كانت يقوم بتصويرها، وكان زملائه في الكلية من أبناء السفراء والوزراء وبعض أمراء وشيوخ دول الخليج، يتمنون أن يقدموا له كتبهم ليقوم بالتصوير منها الثلاث صفحات بخمسة قروش في مكاتب التصوير أمام جامعة القاهرة، مقابل أن يحصلوا علي دفتر محاضراته، حيث أنه كان من أفضل الطلبة الذين يكتبون المحاضرات وراء الدكاترة إن لم يكن الأفضل، علاوة علي أنه لم يترك ولا مرة أى محاضرة، لانه كان دائما علي قناعة أن التعليم هي السبيل الأساسي لتغيير مصيره الاجتماعي والمهني. وكان يوحنا يتحدث كثيرا مع أمه فرحة عن الفارق الطبيعي الرهيب بينه وبين زملائه من أبناء السفراء والوزراء وابناء بعض أمراء وشيوخ دول الخليج، إلا أن حكمة فرحة كانت دائما تتحاور وتناقش مع ابنه، فتقول له أن الله اعطاهم المال، لكن اعطاء انت الذكاء والشطارة، وهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيء بمالهم، لكن أنت يا ابني بشطارتك والذكاء والفهم اللي ربنا ناعم عليه لك، تستطيع أن تحصل علي شهادة عظيمة، وتشتغل شغلانة محترمة، ومع الوقت تكسب رزقك وتسافر تلف العالم، وتروح أمريكا تحقق حلمي وحلم ابوك عشان نكلمك في التليفون، ونقولك ألو يا دكتور يوحنا. كانت فرحة تجيد فن الحوار مع ابنها يوحنا ومع كل ابناءها، كانت تعرف كيف تقنعهم، بأن ظروفهم المعيشية الصعبة، لا يجب أن تكون عائقا في طريق تطورهم في الحياة، بل يمكن أن تكون الدافع لتطورهم. علي الجانب الآخر، كانت تتحدث فرحة مع ابنائها عن دور زوجها يوسف، وجديته وحرصه علي تلبية كافة احتياجات البيت، والعمل دون كلل أو ملل حتى لا ينقص البيت شيئ، وأن ضيق اليد فهذا أمر طبيعي لأننا عائلة كبيرة بها 6 ابناء، 3 بنات و3 صبيان. .... يتبع