عبد المسيح يوسف يكتب: المصريون واللجوء الكاذب إلى كندا
أثار قرار الحكومة الكندية ضم مصر إلى قائمة عدد من الدول مثل اليمن وأفغانستان وغيرها إلى قائمة الدول التي لا تخضع طلبات اللجوء فيها لجلسات استماع والمرور بقرار قاضي، ومن ثم تسريع البت في هذه الطلب، موجه من الأمل الكاذب لدي الملايين من المصريين، الحالمين بأرض جديدة، بعيدا عن الظروف الصعبة التي يمر بها الناس.
هنا يجب أن نميز بين أمرين، حب مصر، والانتماء لها، وهو أمر مفروغ منه، وبين سعى البعض للانتقال إلى أرض جديد، هي كندا هنا، يحلمون بأن ينتقلون إليها، هربا من ظروف المجتمع المصري الحالية، حيث تزايد وتيرة الارهاب، الدموي والفكري في المجتمع المصري، خاصة ضد الأقباط، في محافظات الصعيد والدلتا علي السواء، ولم تسلم نسبيا من هذا التمييز والاضطهاد سوى القاهرة والجيزة علي استحياء.
ناهيك عن الظروف الاقتصادية السوداء بعد قرار تعويم الجنيه، أقصل قتل الجنيه، بعد أن تدهورت قوته الشرائية أمام مختلف العملات، في مجتمع لا يميل للإنتاج وبالتالي فتعويم الجنيه، لن يقود بأى حال من الأحوال إلى زيادة الصادرات المصرية للخارج، في ظل حالة من النهم الاستيرادي للمجتمع الاستيرادي، وتدهور قيمة الجنيه المصري أمام سلات العملات الدولية بنسب تتراوح ما بين 275% إلى 300% خلال السنوات العشر الأخير. من كان يتخيل أن تدور قيمة الجنيه حولي 18 جنيها تقريبا للدولار الأمريكي، وأكثر من 23 جنيها للجنيه الإسترليني، و19 جنيها لليورو، و14 جنيها للدولار الكندي، وفي حدود 60 جنيها أمام الدينار الكويتي، وأكثر من 5 جنيهات أمام الريال السعودي والدرهم الإماراتي .... وغيرها لقد هبطت القيمة الشرائية للجنيه لمستويات لم يكن يتوقعها أحد. وأدي كل هذا الي ارتفاع جنوني في الاسعار، لمستويات خرافية، لم يعد يقو المواطن المصري العادي علي مواجهتها، خاصة وأن مستوى دخله لم يزد.
وعلي الرغم من كل هذا تنبري عدد من وسائل الإعلام مدح ودعم سياسة التعويم، دون أن تتخذ الحكومة اجراءات حقيقية لزيادة الإنتاج ومن ثم التصدير. من يتذكر قيمة الجنيه قبل عام 2010، عندما كان يعادل أقل من 6 جنيهات للدولار الأمريكي، و8 جنيها لليورو، و10 جنيهات للإسترليني، ويدور حول 25 جنيها للدينار الكويتي، وأكثر من جنيه ونصف تقريبا للريال السعودي والدرهم الإماراتي.
المجتمع المصري، قد يتمتع بوجود رئيس مخلص ووطني، هو السيسي، ولكنه في نفس الوقت المجتمع وأليات عمل مختلف المؤسسات لم تتغير، حيث يسعي الكثير للكذب، من أجل التأكيد للرئيس فقط، وليس للشعب المصري علي أنه "كله تمام يا ريس"، ولهذا لا يتردد الرئيس أمام الكاميرات ووسائل الإعلام أن يطالب من بعض الوزراء، خاصة في القطاعات الخدمية، في بياناتهم مخاطبة المصريين وليس مخاطبة الرئيس.
ولا يختلف الحال علي مستوى مطالبة الرئيس دائما لمختلف مؤسسات الدولة والجهات تجديد الخطاب الديني، ويقصد به، الخطاب الديني الإسلامي، موجها حديثه بصورة ضمنية دائما إلى مؤسسة الأزهر، التي أصبحت مرتعا لعناصر القيادات المتطرفة من الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات السلفية. ويكفي أن نتذكر الخطاب الإرهاب للشيخ عبد الجليل والشيخ عبد الله رشدي، فيما يتعلق بتكفير المسيحيين. إن خطاب الكراهية والإرهاب، عادة ما يصدر عن رجال دين إسلامي، تربوا في مؤسسة الأزهر، الممولة من ضرائب الدولة المصرية، التي يدفعها كل المصريين، مسيحيين ومسلمين.
وما يزيد الطينة بلة، أنه رغم صدق نوايا الرئيس السيسي، لتجديد الخطاب الديني، إلى أن الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، لا يساعد الرئيس لتجديد الخطاب الديني، ونشر الوسطية والسماحة بين المصريين. ولهذا لم يجد الرئيس إلى وزارة الأوقاف من أجل أن يتولي وزير الأوقاف القيام بما أخل وقصر فيه شيخ الأزهر.
والمتابع لبيانات وتصريحات الدكتور محمد مختار جمعه وزير الأوقاف، يجب انه فعلا الرجل المناسب لتجديد الخطاب الديني، بدلا من الشيخ الطيب، المحتمي بعصبيته في مدينة الأقصر، والمتواري في الصفوف الخلفية، بعيدا عن أى دور إيجابي فعلي من أجل تجديد الخطاب الديني، لنشر ثقافة المحبة بين المصريين.
وهنا يجب أن نذكر، للتوثيق التاريخي، ان الأقباط، دائما يتسمون بالوطنية وحب ومصر، لدرجة تصل إلى مستوى العشق، وهذا ليس تفضلا من الأقباط، ولكنه نمط تربية وتنشئة شب عليه الأقباط منذ الصغر، يتمثل في عشق مصر وترابها، وأن التفكير في الهجرة لمجتمع آخر، ليس كراهية في مصر بالمرة، ولكنه هروبا من الظروف الصعبة، التي طالما واجهوها، علاوة معاملتهم كمواطنين درجة ثانية، بعيدا عن تصريحات بعض رجال الديني المسيحي بأنه المسيحيين لا يعانون من التمييز والاضطهاد في مصر، فهذه تصريحات سياسية، يدرك الجميع أنها لا تعبر عن واقع المواطن المصري القبطي في مصر. وأدت تصريحات البابا وبعض الأساقفة إلى رفض طلبات اللجوء للأقباط في ألمانيا وهولندا والكثير من دول أوربا. ويتوقع أن تؤثر تأثيرا سلبيا علي طلبات اللجوء لكندا، التي سيستفيد منها المصريون المسلمين أكثر، خاصة من بعض قوى المعارضة والإخوان والسلفيين، ليخرج الأقباط من المولد بلا حمص!!
دون نسيان أن هناك مصريين آخرين، لا يشعرون لن نتحدث عن وطنيتهم أن مدى انتمائهم لمصر، لكنهم كانوا يطالبون بتدخل قوى أجنبية في مصر من أجل أن تعيد الرئيس المخلوع محمد مرسي للسلطة، وتحالفوا مع قوى الشر والشيطان، ممثلة في قطر وتركيا والإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما، من أجل اسقاط المجتمع المصري مثلما حدث في سورية.
وكما قلت وأكرر، فإن الموقف الوطني للأقباط، بأن مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فيه، كما قالها مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث. أو أن وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن، حسبما أكد قداسة البابا تواضروس الثاني، بعد حرق الجماعات الارهابية للاخوان المسلمين والسلفيين الكنائس المصرية منذ عام. لقد تحمل الأقباط كثيرا في حب مصر، دون أن يتخذ كل المسؤولين إجراءات وطنية لتحقيق المساواة العادلة بين كل المصريين، علي الرغم من الإجراءات الجرئية للرئيس السيسي، لتأكيد المساواة بين كل المصريين، وهذا ما يجعل الكثيرون يشعرون بأن الرئيس يحرث في الرمال أو البحر، بأنه يحاول النهوض المجتمع وتحقيق المساواة بين المصريين، ولكن من يعملون معه وحوله لا يساعدونه علي تحقيق الأمر.
هذا العرض السابق، يكشف أن من حق المصريين، وخاصة الأقباط، بعض الأقباط التفكير والسعي للانتقال والهجرة للمجتمع الكندي، دون أن يعني ذلك كراهية مصر، التي نعشق ترابها، ونتمني ونعمل من أجل تطورها ورخاءها.
لكن من يتعمق في قرار اللجوء لكندا، يكتشف أنه يجب أن يكون من داخل كندا، وليس خارجها، وبالتالي فمن الصعب علي ملايين من المصريين، الذين حلموا باللجوء أو الانتقال إلى كندا اللجوء إليها، لأنه سيصعب عليهم الحصول علي تأشيرة سياحة أو دراسة أو غيرها من أجل دخول كندا، وتقديم طلب اللجوء من داخل الأراضي الكندية.
وما يزيد الطينة بلة، أن هناك توجهات سلبية داخل بعض السفارات والإدارات الكندية، للتسهيل دخول السيدات والعواجيز والشباب من المسلمين أكثر من المسيحيين، ويكتشف هذا الأمر في الأعداد الهائلة للاجئين والقادمين من سوريا واليمن والعراق. وكان هذا الأمر تعاني منه السفارة الأمريكية في القاهرة خلال إدارة باراك أوباما، حيث كانت تتساهل مع الإسلاميين، بسبب التوجه الإسلامي والتساهل مع المصريين المسلمين أكثر من المصريين المسيحيين وقت طلب التأشيرة لأميركا. وهذه حقائق يعرفها كل من احتك بالسفارة الأميركية خلال إدارة أوباما. وبدأت هذه العدوى أو المرض ينتقل للسفارة الكندية في القاهرة، وبعض الدول العربية، بسبب حكومة الليبرالين برئاسة جوستان ترودو، الذي أغرق الاقتصاد الكندي بالديون، ولم يثبت أى حنكة سياسية لإدارة دولة كبيرة في حجم كندا، من أجل أن يصوتوا لصالح حزبه الليبرالي في الانتخابات المقبلة، بعد حصولهم علي الجنسية الكندية، في ظل معارضة ضخمة من أحزاب المعارضة لهذه السياسات، وهو ما عرق سياسة الهجرة، فلجأ ترودو لمسألة اللجوء كباب خلقي ليدخل عبره ناخبيه المستقبليين، لأنه معروف أن المسيحيين يصوتون للحزب المحافظ، ونادرا ما يؤيدون حزب ترودو.