عبد المسيح يوسف يكتب: بعد إنطلاق الحملة الأنتخابية، صراع شير وترودو على أصوات أونتاريو والكيبيك
بعد إنطلاق الحملة الأنتخابية لإختيار رئيس وزراء كندا 2019 .. صراع شير وترودو على أصوات أونتاريو والكيبيك
بعد انطلاق الحملة الانتخابية، ومع اقتراب يوم الاقتراع لاختيار الحزب الذي سيشكل الحكومة الفيدرالية، بعد يوم انتخابات 21 أكتوبر، ويتنافس عليها أحزاب الليبراليين والمحافظين والديمقراطي الجديد والخضر وبالتأكيد الكتلة الكيبيكية. المنافسة الحقيقية، ليست في حاجة إلى تأكيد أنها ستكون بين الليبراليين والمحافظين.
أنا على المستوى الشخصي، أميل وأتمنى أن يفوز المحافظين بالانتخابات الفيدرالية، خاصة وأن أداء حكومة ترودو كان مدمرا على المستوى السياسي والسلوكي.
لكنني على المستوى السياسي البرجماتي، مقتنع تماما أن الأقباط لا يجب أن ينغلقوا في سلة المحافظين، لأن هناك أحزاب قوية في أقاليم معينة، ومن ثم فمن مصلحتهم أن يساندوا هؤلاء المرشحين الذين فرصهم أقوى في دوائر معينة.
فمن المعروف أن الحزب الديمقراطي الجديد فرصه طيبة للغاية في بعض أقاليم البراري: مانيتوبا وسسكاتشوان. في حين أن المحافظين يتمتعون حاليا بشعبية كبير في اقاليم الأطلسي.
ولا يجب أن ننسى أن هناك حوالي 5 مرشحين في الانتخابات الفيدرالية من أصول مصرية وقبطية في أونتاريو والكيبيك، يجب أن نقف وراءهم ونعطيهم أصواتنا طالما أن صوتنا الانتخابي في دوائرهم الانتخابية، حتى لو كانت توجهاتنا السياسية مغايرة.
لكن هذه الأقاليم قليلة للغاية من حيث تعداد السكان والناخبين. في الجانب الآخر، نجد أن الثقل الانتخابي الحقيقي للناخبين يتركز في اقليمين قادرين على تحديد من سيكون رئيس وزراء كندا القادم ترودو أم شير.
هذان الإقليمان هما أونتاريو (بما فيها أكبر مدينتي أوتاوا العاصمة السياسية، وتورنتو العاصمة الاقتصادية)، والاقليم الثاني يتمثل في الكيبيك (بما فيه مدينة مونتريال العاصمة الثقافية والكسموبوليتين الحقيقية لكل أطياف المهاجرين)، وهو الاقليم المتمرد، المغاير لما يجري بصفة عامة في كل كندا، بسبب رغبتها في الاختلاف، خاصة على المستوى الثقافي واللغوي وكذلك النخبة السياسية. فكلا من أونتاريو والكيبيك يشملان ما بين 45% الي 50% تقريبا من السكان، ومن ثم النسبة الغالبة من الناخبين.
المحافظون نجحوا في اونتاريو، وشكلوا الحكومة الإقليمية، لكن أداء دوج فورد غير مقنع للكثيرين، سواء داخل مدن إقليم أونتاريو، والمتابع لأداء دوج من الخارج، وهو ما مثل نقطة غير بيضاء في جبين المحافظين، ومثل عبئا عليهم.
أما الكيبيك، فحدث ولا حرج، خسر فيها الليبراليون بصورة مخزية أمام حزب يفوز لأول مرة بالانتخابات الإقليمية، وهو الكاك التحالف من أجل مستقبل الكيبيك، وهو حزب يمين وسط شوفيني، زعيمه، رئيس وزراء الكيبيك الحالي، فرانسوا لوجو، والكثير من أعضاء، ومئات الآلاف من مسانديه، كانوا أعضاء سابقين في حزب الكتلة الكيبيكية، الذي يدعو دائما لاستقلال الكيبيك عن كندا بصورة مباشرة، في حين أن الحزب الحاكم في الكيبيك، والذي يحظى بشعبية كبيرة للغاية، واتجاهات استطلاعات الراي لإعادة انتخابه تزيد علي 46%، وهي نسبة كبيرة للغاية، بسبب احترام لوجو لوعوده الانتخابية، حتي لو كانت ضد توجهات عدد من الناخبين، خاصة فيما يتعلق بقانون العلمانية، الذي مرره بكل ثبات، وتقوية اللغة الفرنسية مقارنة بالإنجليزية في الإقليم.
الليبراليون موقفهم صعب للغاية في الكيبيك حاليا، حيث أن حزبهم حتى اليوم لم ينتخب رئيس دائم للحزب بعد استقلال رئيس وزراء الكيبيك السابق فيليب كويار بعد خسارته الانتخابات الإقليمية أمام حزب الكاك. ومن ثم المزاج الانتخابي ليس ليبرالي في الكيبيك، ولكنه للأسف لا يميل للمحافظين، غير القادرين على التعامل مع الإقليم وكسب تعاطفه، خاصة وأن الكيبيك عادة ما تصوت إما ليبراليين إما حزب يدعو لاستقلال الكيبيك، أما المحافظين فعادة يأتون في المرتبة الثالثة. ومن ثم على المحافظين اعادة النظر في التعامل مع الكيبيك لكسب أصوات ستفرق كثيرا معهم.
مشكلة المحافظين في أونتاريو، تتمثل في أداء دوج الذي يمثل عبئا على الحزب، لكن بالطبع أندرو شير يختلف كلية عن دوج، لأن شير يعرف أنه يجب أن يتعامل مع كل اقليم كندا العشرة والمناطق الثلاثة الشمالية في الشمال، وتنعم كندا بتنوع حقيقي وثري بين مختلف مناحي الدولة الفيدرالية، يضعه شير بذكاء في الاعتبار.
يدرك شير أهمية الكيبيك، وأنها الاقليم الذي سيرجح كفة رئيس وزراء كندا القادم، لذا تجد شير يتحدث بالفرنسية بصورة جيدة للغاية، لا تختلف عن اهتمام رئيس وزراء كندا السابق القوي والمحترم ستيفان هاربر، الذي كان من إقليم البرتا وحكم كندا لمدة 12 عاما.
ويشارك شير في مختلف الفاعليات الثقافية الكبرى والعيد الوطني عيد القديس يوحنا "سان جان باتيست" للكيبيك، وعيد السكان الأصليين في أكادي أحفاد الفرنسيين الأصليين في إقليم برونزويك -والكيبيك-، لكن مشكلة شير تتمثل في أن الإعلام لا يميل بقوة لتغطية أنشطته مثلما تفعل مع ترودو، الذي يتمتع بعلاقة قوية للغاية مع الإعلام.
في حين أن المحافظين عليم استغلال وسائل أخري بعيدا عن الإعلام العام، مثلما نجح ترامب في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وهزيمة الآلة الاعلامية المهولة، التي كانت تساند بعماء هيلاري كلينتون، لاعتبارات برجماتية وايديولوجية.
ترودو لا يتمتع بالشعبية الكبيرة حاليا في الكيبيك، لكن الكيبيك تري فيه الابن البار الفرانكفوني، الذي يجب ان يستمر رئيسا لوزراء كندا، أفضل من أن يكون رئيس الوزراء القادم أنجلوفونيا يتحدث الفرنسية بطلاقة، فهذه مسألة مفصلية بالنسبة لها.
من هنا يجب أن يراعي أندرو شير، القادم من اقاليم البراري في الوسط الأنجلوفوني الكندي، خلال الحملة الانتخابية أهمية الحديث باللغة الفرنسية، خاصة وأن غالبية كندا الانجلوفونية لا تحب "الفرنش بيبول" كما يطلقون علي أهل الكيبيك، فإن الكيبيك ينمو فيها بقوة التيار الوطني الشوفيني، في ظل أداء مبهر حتي الآن لحزب يمسك السلطة لأول مرة في تاريخه السياسي، لا يحبون هو الآخرين بدورهم الأنجلوفونيين.
الحملة الانتخابية انطلقت منذ أيام، وهناك أكثر من 63% من الناخبين لم يحددوا بعد لمن سيعطون أصواتهم، وبالتالي فهذه الحملة الانتخابية ستغير من توجهات الكثير، وستعلن الايام القادم عن هذا خلال استطلاعات الرأي.
مونتريال: عبد المسيح يوسف - عضو نقابة الصحفيين المصريين