عبد المسيح يوسف يكتب: سلام الشرق الأوسط الجديد وأعادة أنتخاب ” ترامب” 2020 وذوبان الأيديولوجيات
بقلم: عبد المسيح يوسف
كانت خطوة وجريئة، تلك التي أقدمت عليها كلا من الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بعد إعلان ورعاية من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يقترب من ذروة الحملة الانتخابية، لانتخاب الرئيس الأمريكي يوم 3 نوفمبر القادم في ظل ظروف جائحة كورونا، التي كشفت عن عجز العالم حتى الآن، لحين التوصيل إلي لقاح فعال، لهذا الفيروس اللعين، الذي احتجز الإنسانية رهينة له.
قالها ياسر عرفات، الزعيم التاريخي لحركة فتح، عندما وقع في البيت الأبيض مع اسحق رابين، وبرعاية الرئيس الديمقراطي وقتها وليام كلينتون اتفاقية سلام، قالها هذا "سلام الشجعان". بالفعل، السلام، دائما سلام للشجعان، وإسرائيل، على الرغم من الصورة الذهنية السلبية، التي رسمتها وسائل الإعلام العربية والحكومات العربية، على مدار عقود، ونتج عنها ايديولوجيا كارهة ومعادية لإسرائيل، فهذا أمر متفهم، بسبب الحروب الكثيرة، التي خاضتها العديد من الدول العربية، وتحديدا دول المواجهة ، وفي مقدمتها مصر، وسورية.
إلا أن التغير النوعي في السياسة الإسرائيلية تجاه بعض دول المواجهة، ومنها مصر والأردن، وغيرها من الدول، يجعل من المنطقي والبرجماتي إعادة النظر في السياسات المطبقة تجاه إسرائيل، التي فات الأوان علي نكران وجودها الفعلي في المنطقة، كدولة فاعلة ومؤثرة، وحليف دولي استراتيجي لعدد من القوى الاستراتيجية الراسمة والحاكمة لسياسات النظام الدولي السياسي والاقتصادي، سواء كانت في أمريكا الشمالية أو الاتحاد الأوروبي.
كانت إسرائيل دولية معادية ومغتصبة للكثير من الأراضي العربية، وما أخذته واحتله إسرائيل من أراضي عربية، تم استرداد جزء منه بالقوة، بواسطة مصر، خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، التي أعادت الكرامة والأرض المغتصبة لمصر، ومنحت موقف تفاوضي قوي لمصر، لتحصل علي بقية حقوقها وأراضيها من إسرائيل.
نعم للسلام، القائم على العدل ومراعاة الحقوق، وبالتالي الخطوة، التي أقدمت عليها الإمارات والبحرين، هي بكل تأكيد خطوة شجاعة، في سبيل سيادة السلام والاستقرار في منطقة، هي من أكثر مناطق العالم سخونة من حيث الصراعات وتفشي الإرهاب. وكما أعلن الرئيس ترامب أن خطوة الإمارات والبحرين، من المحتمل أن يعلن عن مثيلاتها بالنسبة لدول عربية أخري، ستوقع اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وتم ذكر اسم السودان صراحة، مقابل أن يرفع اسمها من قوائم الإرهاب، التي صنفتها عليها الولايات المتحدة، مما جعل السودان يخسر الكثير على مستوى النظام الاقتصادي والسياسي الدولي، وفرض عليها عزلة دولية، حتي فيما يتعلق باستخدام السيرفيرات الدولية للإنترنت، وما سافر السودان يعرف معنى هذه الحقائق.
لا نتحدث عن سلام مطلق دون مكاسب للجانب العربي، من حق الشعب الفلسطيني الأصيل أن يحصل علي حقه في تقرير المصير والحصول على أراضي عادلة، لإعلان دولته المستقلة ذات السيادة. والمشكلة تأتي دائما من النخب، أو جزء من هذه النخب "الحنجورية"، التي ملأت هواء الفراغ كلاما، غير مجدي، ولم تحصل علي أي امتيازات لشعوبها، في حين أن حسابتها البنكية، لبعض هذه النخب، استفادت من تحويلات لقوي ودول كانت تمول هذه الخطابات الجوفاء الأيديولوجية، التي كانت تأتي علي هوى العامة أو قطاعات منهم. لكن ما الحال الآن، وبعض هذه الدول الممولة لبعض الحركات والمنظمات الفلسطينية وقعت اتفاقيات سلام أو في طريقها لجس النبض لتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل.
هناك حديث عن أن سلطنة عمان والسعودية في طريقها للسلام الرسمي والمعلن مع تل أبيب، خاصة وأن سلطنة عمان منذ القدم وهي معروفها بسياستها الحيادية، والرياض يحكمها الآن دماء شاء مستنيرة وتسعى لاستقرار المنطقة، وتقوم بجس النبض، خاصة وأن السياسة الإماراتية لا تسير بمعزل عن التنسيق مع الرياض والقاهرة. مع مراعاة العلاقة الاستراتيجية القوية بين الأمير المستنير محمد بن سلمان ولي العهد، الذي أحدث نقلة كبيرة نوعيه في السعودية، يشهد الكثيرون لها بالإيجابية، ممن ينظرون للأمور بصورة موضوعية، والرئيس الأمريكي ترامب. هذه العلاقة ستحقق الكثير من المكاسب للطرفين.
مع الأخذ في الاعتبار أن هذا السلام الجديد، سيكون بمثابة نقطة قوية لإعادة انتخاب الرئيس ترامب أما منافسه الديمقراطي جو بايدن، والذي كان نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي تحالف مع الجماعات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمين، ودعمها ماليا ولوجستيا وسياسيا، لإحداث ما يُسمى بالفوضى في منطقة الوطن العربي والشرق الأوسط، للسيطرة عليها، والتحكم في الحركات الإسلامية، خاصة الإرهابية منها، والتي تعادي صراحة الولايات المتحدة حين يحكمها المحافظين وليس الديمقراطيين.
من المتفهم أن بعض تيارات اليسار أن تنظر إلي إسرائيل من منطلق أيديولوجي يمكن تفهم عدائها المطلق لإسرائيل، لكن عليهم أن يدركوا أن السياسة مصالح، ومتغيرات، وبالتالي من الطبيعي أن عدو الأمس، يمكن أن صديق اليوم. فالأمور المطلقة في السياسة لا وجود لها. ولننظر مثلا للاتحاد السوفييتي الشيوعي، أين هو اليوم؟ عبارة عن دولة رأسمالية مشوهة. وأين هي دول أوروبا الشرقية الاشتراكية، كلها أصبحت دول رأسمالية تدور وتسبح في فلك رأسمالية وديمقراطية دول الاتحاد الأوروبي. وأين هي شيوعية الدولة الصينية، هي شيوعية واشتراكية مهجنة مع الكثير من الرأسمالية، حتى تستطيع الصين أن تصمد وتتعامل مع العالم. الإيديولوجيات فكرة جامدة، ولم يعد لها مجال في النظام الدولي السياسي والاقتصادي الحالي في القرن الحادي والعشرين.
لا نستطيع أن نتحدث عن موت الإيديولوجيات، لأن الأفكار والمبادئ لا تموت، ولكن نتحدث عن ذوبان وتهجين، حتي تستطيع التكيف والمواءمة مع المعطيات الجديدة في المجتمع الوطني والإقليمي والمحلي، وإلا ستقوم ضدها ثورات تقضي عليها كما حدث في أوروبا الشرق والاتحاد السوفييتي، روسيا الاتحادية حاليا، وريثه الشرعي.
إن العداء مع إسرائيل، بعيداً عن الدخول في مناقشة المعتقدات الدينية، لأن المجال السياسي، ليس المكان لنقاشها وتحليلها، بل نتحدث عن المعطيات الجديدة في مجال سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي جديد، مغاير لما كان عليه الحال من عشرات السنين. فإيران في عهد الملالي، غير إيران في عهد الإمبراطور. والعلاقات بين الدول العربية وإيران شهدت تغييرات جذرية بين الحقبتين. ولننظر الآن إلي العداء الكبير بين إيران والعديد من الدول العربية، خاصة الفاعلة والمؤثرة في المحيط العربي والشرق أوسطي في مقدمتها السعودية والإمارات ومصر.
وبالتالي فإن الموقف من إسرائيل يجب أن تحدده معطيات كل مرحلة زمنية، إذ ما كانت برودا أم عداء أم سلاما، خاصة وأن المنطقة العربية والشرق أوسطية تستحق الراحة والاستقرار من هذا الصراع التاريخي. وليتحقق هذا، علي وسائل الإعلام الخاصة والعامة أن يكون لديها الجرأة والشجاعة في إعادة صياغة ونشر صورة تخفف من هذا العداء، وتدعو للسلام والاستقرار والتنمية في منطقة خربتها الحروب، رغم ثرواتها العظيمة. وللمعادين لإسرائيل، والذين ندرك معطياتهم، ماذا فعلتم للتخلص منها، بل حتي الحركات الإسلامية الإرهابية، التي في خطاباتها الدعائية تعادي ليل ونهار تل أبيب، لم تفعل أي شئ تجاه إسرائيل، بل وتتسرب أخبار للإعلام الدولي، أن بعض عناصر هذه الجماعات الإرهابية ومنها داعش يتم علاجه بواسطة أطباء إسرائيليين!! مثلما قيل عن أن أكبر حركة إسلامية، وهي الفرعي الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين، حركة حماس، ساهمت إسرائيل بقوة في تأسيسها، لشق الصف الفلسطيني وتكبيل حركة فتح.
هذا السلام يجب أن يحميه قوة، ممثلة في القوات المسلحة لكل دول عربية، لأن هذا السلام، يعني أن تكون الدول العربية مستيقظة لأي خطط ثنائية أو ثلاثية علي مستوى بعض الدول مع إسرائيل، يمكن أن تضر بمصالح دول أخري، خاصة وأن تل أبيب يوجد بها نخب على وعي ودراية بمعنى البرجماتية والحصول على المنافع والدفاع عن مصالحها بالمعني الضيق، وهذا الأمر يتطلب رشادة واستيقاظ من جانب الطرف العربي. فالسلام العادل يجب أن لا يعلي من مصالح إسرائيل على مصالح الدول العربية والشعب الفلسطيني وحقه في الحصول على دولة مستقلة ذات سيادة بالتفاوض، عبر نخب وطنية قوية تدافع عن المصلحة الوطنية بعيدا عن الخطب والكلمات الرنانة، التي لا تجلب أي مصالح سياسيا واقتصاديا. السلام العادل، سلام يحقق مصالح الجميع في اطار من المنافع المتبادلة والاستقرار والتنمية واسترداد الأراضي المحتلة بالتفاوض الرشيد، عبر نخب وطنية، مخلصة، وليست منتفعة (وتحديدا في الحالة الفلسطينية)