خالد منتصر يكتب: في بلادي الجمال جريمة
الجمال عادة نعمة لكنه في بلادي دائماً نقمة، الجميلة مازالت في نظر مجتمعنا مُجرمة مع سبق الإصرار والترصد، الجمال صار تهمة يجب إنكارها، والجميلة صارت فضيحة يجب سترها ، كل يوم نصادف مانشيتات وترندات و هاشتاجات عن بنات التيك توك أو اليوتيوب، يتم القبض عليهن أو التشهير بهن وإتهامهن بإثارة الغرائز ، هذه هي التهمة المعلنة ،أما التهمة المضمرة والمخفية هي أنهن جميلات في زمن فوبيا الجمال وكراهية الحسن والتآلف مع القبح. الفتاة تكون رشيقة ترقص أو تضحك، لم تمثل أي أفلام بورنو مثلاً أو ضبطت في بيت دعارة أو تركت رقم تليفونها لراغبي المتعة ...الخ، هي مجرد فتاة جميلة ترقص أو تضحك أو تتحدث مع صديقاتها...الخ، هذه هي كل جريمتها، والدليل القانوني أن البراءة عادة تكون من نصيبهن ، لكن الشباب ملتهبي البروستاتات من مقدمي البلاغات لا أحد يحاسبهم على جرائم التجريس والفضائح والبلاغات الكاذبة المحرضة ، الضحية فقط هي البنت الجميلة المبتهجة الممتلئة حيوية، القانون عادة ينصفها، لكن ماذا تفعل ورقة براءة القانون في مجتمع ينهش سيرتها ويتربص بحياتها ولفتاتها وهمساتها ويعد عليه أنفاسها وحركاتها؟.
لو حاولنا تأصيل المشكلة والبحث في جوانبها الإجتماعية، لابد أن نبدأ بمعرفة أن هناك من ضمن الغرائز بجانب الأكل والشرب وغيرها ،غريزة إسمها الإستحسان الإجتماعي، كل منا رجلاً كان أو إمرأة ، هو يحب أن يُمدح، يقال له أنت وسيم أو لديه كاريزما ...الخ، هي تحب أن يقال لها أنت جميلة، ذوقك رائع في الأزياء التي ترتدينها، العطر جميل وفواح.. الخ، هذه غريزة ، وهذا المدح أو تلك المجاملة لاعلاقة لها بشهوة أو تحرش أو رغبة مستعرة ومشتعلة لممارسة الجنس ولا أي شئ ، لايوجد هذا الإرتباط الشرطي على الإطلاق.
المرأة تحب أن تكون جميلة ، وأن تتميز بهذا الجمال ، وأن تحس الدنيا بجمالها ويحتضنه الكون، وذلك بدون أن تكون متآمرة لإصطياد رجل أو غواية عشيق، إطلاقاً ، هذه غريزة وإن تم كبتها وقمعها وسلبها وسحقها، ستخلق الكبت والعقد والإضطرابات والخلل النفسي، ويستخدم السلفيون الخاضعون لمفاهيم الفاشية الدينية فزاعة إتهام الرجل المتفهم لتلك المعاني بالديوث الذي يفتقد معاني الرجولة والنخوة ..الخ، وبالطبع يخاف أي كاتب أو مفكر أو إنسان متحضر من تلك الهجمات الشرسة التي تصل لأعلى سقف السفالة والوضاعة والوقاحة ، المدهش أنك تجد نفس الشخص الذي يتهمك بالدياثة وفقدان النخوة ويتاجر بأنه الوكيل الحصري للعفة ، مقتنعاً بأن ممارسة الجنس مع الجارية أو سبايا الحرب شئ طبيعي جداً بل هو من باب الجدعنة والرياضة الإيمانية ومدعاة للتفاخر.
وكلنا يتذكر الداعية السلفي الذي كان عضواً في برلمان زمن الإخوان والذي تم ضبطه مع مراهقة في سيارته على الطريق الزراعي، كيف استقبله زملاؤه من ذوي اللحى في البرلمان بعد غزوته الجنسية تلك مرحبين مهللين وكأنه عائد من رحلة الحج!، كان هذا الداعية يعطينا دروساً قبلها في التليفزيون عن ضرورة النقاب للمرأة وأهمية تغطيتها وإخفائها ، وقبلها كان عضو برلمان من حزب سلفي شهير قد أخفى أنه أجرى جراحة تجميل لأنفه وبررها بأنه يريد تحسين قراءته للقرآن من خلال تجميل الأنف!، دغدغة لمشاعر البسطاء الدينية ، وخداع بإسم الدين ، وكذب تحت شعار التقية الحلال، وبالطبع تجد أن نفس المجتمع يشبع غريزة الإستحسان الإجتماعي عند الرجل لأقصى حد ، فتجد مثلاً في دول بها جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الرجل يمشي متباهياً بجلبابه الأبيض الشفاف الهفهاف الذي يكشف ملابسه الداخلية وأحياناً ماتحتها ، وعادي جداً ولا أحد يستنكر أو يدين ، متفاخراً بعطره الفواح النفاذ الذي تشمه من على بعد عشرة أميال، والقلم الكروس أو الباركر الذهبي يلمع في جيب الجلباب، ويا أرض إتهدي ، ماعليك أدي!، لكن بالنسبة للمرأة يا أرض إبلعيني و ياحيط داريني،وكأنها عضو تناسلي يسير على قدمين !، ونصبح في مجتمع مريض يربط العفة بطول الجلباب،والشرف بقطعة القماش التي تخفي الشعر، والأخلاق بطمس الملامح والتحول إلى شبح !، وكلما إقتربت المرأة من المجال المغناطيسي للقبح والتحول إلى بخار إنساني أو غبار بشري أو مومياء لا أنوثة فيها، كلما إقتربت من الفردوس ، كل هذا لقاء ألا نخدش غريزة سيادة معالي فضيلة الفحل الذكر الذي لاتحتمل هورموناته المتأججة خصلة شعر أو نفحة عطر أو رنة كعب !.
كنا في الستينات نتعامل مع الجمال برقي وشياكة وتهذيب وإحتفاء، وصرنا بعد نصف قرن نتعامل معه كمطارد مجرم سفاح ، صرنا بعد الإحتفاء نحتفي بالاختفاء.