خالد منتصر يكتب: لعبة الشيش الدرامية بالنصوص الدينية
دراما رمضان هذا العام فيها جهد كبير وتميز حرفي واضح في الإخراج والتصوير والإضاءة والتمثيل وكافة عناصر هذا الفن المؤثر الذي صار للأسف بديلاً عن القراءة في عصرنا الحديث ، وحصلت المسلسلات التي تناقش قضايا الإرهاب سواء في الداخل أو في الخارج على نصيب الأسد في نسب المشاهدة ، كانت أهم تلك المسلسلات هي " الإختيار"و " هجمة مرتدة" و " القاهره كابول". ولأن الدراما والفن عموماً أكبر وأرحب وأشمل وأوسع من أن يكون مجرد حرفة أو مهنة أو شطارة تقنية ، هناك في الخلفية وراء كل هذا ثقافة ، الأرضية التي يقف عليها الفنان هو الفكر والفلسفة وماذا يريد أن يقول، وماهو الموقف الذي ينحاز إليه ، فهو لايبدع في فراغ وإنما في مجتمع ، ومجتمع مأزوم تنهشه غربان الظلام بمناقيرها المدببة الدموية، إختار القائمون على الدراما هذا العام ، وإنحاز كتاب السيناريو إلى أسلوب المكلمة !، فبالرغم من أن تعريف أرسطو للدراما بأنها الفعل ، فقد أغرقونا في حوارات ثنائية دينية دينية ، تراشق بالنصوص، يقول ممثل آية فيرد الآخر بآية ، يخرج علينا التكفيري بحديث فيرد عليه الضابط بحديث آخر مضاد...الخ.
ظهر هذا جلياً في حوارات عم حسن والشباب في القاهره كابول، وحوارات الضباط والإخوان في الإختيار ، وهذا فخ في منتهى الخطورة ، الحوار الديني الديني والتراشق بالنصوص ولعبة الشيش الدينية لن تجدي شيئاً ولن تغير من واقع وإقتناع المزيف وعيهم والمغسولة أدمغتهم، ويكفي أنهم قد خدعونا فيما يسمى المراجعات التي كانت كموناً وتقية حتى تحين ساعة الصفر فينقلبون ضباعاً مرة ثانية ، المعركة ليست بين ضابط يؤمن بصحيح الدين ومجاهد تكفيري خارج عن صحيح الدين، هي بين رجل عدالة وخارج عن القانون لا الدين ، لأن النص حمال أوجه كما قال علي بن أبي طالب ، وإذا كان هناك نص يحض على التسامح فهناك نص أمامه يحث على القتل ، وإذا كان هناك نص لايكفر فهناك نص يكفر ويتهم المختلف بالردة ، ونضيع نحن ونتوه وسط التفسيرات والتخريجات والحشوات والتأويلات والفرق والمذاهب.
لابد أن يكون حوارنا الدرامي من منطلق الدولة المدنية ، فعندما يتحدث مثلاً رياض الخولي كمسئول أمني كبير مستنكراً حرق الكنائس فهذا جميل ، لكن تبريره للضابط ضعيف حين يقول " الحرق ده يرضي مسلم ؟؟!" ، أو يقول آخر دول في ذمتنا ..الخ ، ليس هذا هو منطق الدولة المدنية الحديثة ، التسامح والذمي ..الخ كلها كلمات ومصطلحات إستعلائية لامكان لها في قاموس حقوق الإنسان وقيم المواطنة ، أنت مصري وهو مصري ولكم نفس الحقوق ونفس الواجبات وهو ليس في ذمتك ولا أنت في ذمته ، هذا كلام صار مكانه المتحف والفولكلور ، وعندما يتحدث الممثل الجميل نبيل الحلفاوي عن الإستتابة فإننا لابد أن نندهش ونصدم من هذه الحفريات اللغوية الآتية من كهوف القرون الوسطى ، وعندما يظل الضابط خالد الصاوي أو غيره يحاول إقناع التكفيري بنصوص سماحة رداً على نصوصه العنيفة ، فنحن نحرث في البحر، لأننا ننسى أو نتناسى أن داعش لديهم نصوص من نفس المعين أيضاً ولم يولدوا من فراغ فكري ، نحن نتعامل مع مجرمين ، ولابد ألا يجرونا إلى ملعبهم ، والتجديد الديني والدرامي أن نهجر مصطلحات الولاء والبراء والجزية والجهاد والغزو والفرقة الناجية..الخ ونتكلم بلسان وقاموس العصر الحديث ، المواطنة والقانون وحقوق الإنسان والحرية الشخصية والحداثة ، بدون ذلك الطرح سنظل في مباراة الشيش النصوصية التراثية الأزلية بسيوفنا المصنوعة من هواء وخواء تصدر ضجيجاً ولاتخلق إنتصاراً.
[caption id="attachment_6766" align="aligncenter" width="300"] مسلسل الاختيار ٢[/caption] [caption id="attachment_6767" align="aligncenter" width="300"] مسلسل القاهرة - كابول[/caption]