خالد منتصر يكتب: لماذا بكينا على سمير غانم؟
لماذا بكت مصر كلها ليلة وداع سمير غانم ؟، ماهو سر كل هذا الحزن والشجن وغلالات الدمع التي غلفت مآقي المصريين وتلألأت في أحداقهم ؟، ماهو سر ذلك الملح في تلك الدموع والمرارة في تلك النظرات ، خاصة أنها كانت في وداع أيقونة الضحك والفرح والبهجة ؟، إنها بكاء على غياب الضحكة كمعنى قبل أن تكون بكاء على غياب سمير كشخص ، فالموت حقيقة بل هو الحقيقة الوحيدة ،لذلك نتقبله كجزء من حياتنا ، لكن الضحكة والفرح والبهجة ،يجب أن تظل موجودة لأنها هي الحياة نفسها ،أحسسنا مع رحيل سمورة أننا نعزي أنفسنا ونكتب قصيدة رثاء في غياب البهجة والسعادة، لكن لماذا سمير غانم بالذات ؟.
الإجابة لأن سمير غانم كانت معركته وكان هدفه هو أن يضحكنا ، ويضحكنا فقط، لم يتفذلك أو يدعي، لم يقل أنا فيلسوف أو مناضل أو سياسي أو داعية أو منقذ البشرية ،أنا مضحكاتي وبس ، أنا بأهرج معاكم ،إوعوا تقلبوها جد، لإني إكتشفت إن الحياة نفسها مجرد تهريجة، واللي حياخدها خد وعلى صدره قوي ،لاهو فاهم ولا هو عايش ولا هو حيستمتع ،هذا هو ملخص فلسفة سمير غانم والتي بفقده إكتشفنا أنها كانت ولابد أن تكون فلسفتنا ودستورنا وأجندتنا ،ولأن الزمن صار بخيلاً ضنيناً قاسياً،فقد كان تهريج سمير غانم هو نسمة الهواء المنعشة في قيظ وهجير أغسطس ، ونقطة الندى في جفاف صحراء الصبار والسراب، ومما زاد من تأثير الصدمة أن الوفاة قد حدثت بسبب الكورونا، أكثر فنان جمعنا على الضحكة مات بسبب أكثر مرض فرق وباعد مابين البشر!.
المرض الذي إغتال القبلة والحضن والمصافحة ،وقتل الحميمية والتلاحم والصداقة، وجعل الجار مرعوباً من جاره والأب خائف من إبنه!، ملعون الكوفيد في كل كتاب ،يسرق الأعمار والحياة ويسرق معها من يهون علينا تلك الحياة ، سمير غانم هو معانٍ متعددة ، هو معنى التمرد ،فقد هرب من كلية الشرطة ومن جلباب أبيه الضابط الكبير وإختار أن يكون نفسه،وجد أن أوتاره مضبوطة على الفن وخاصة الكوميديا، فذهب لنداهة الفن بدون أن يفكر ولو للحظة، هو معنى العناد والتغيير ، ظهر مع إثنين كانا يمتلكان كل مقومات الكوميديان الجاهزة المعلبة ، الضيف أحمد النحيف الضعيف،وجورج البدين الملظلظ، هو شاب عادي بل ووسيم ورشيق ، لايمتلك هذه الوصفة الكوميدية الجاهزة والسحرية، لكنه إشتغل على نفسه حتى تفوق وإستقل وصار مدرسة قائمة بذاتها ، معنى الإستمرار والمرونة ، سمير غانم العشريني له شكل كوميدي مختلف عن سمير غانم الثمانيني ،هنا له بصمة وهناك أيضاً له بصمة، هنا له حضور وكاريزما وهناك له حضور وكاريزما ، معنى أن الضحك هدف سامي وليس ضرورياً أن تكون خلفه قضايا كبيرة ومعقدة ،يكفي أن تقهقه وتغسل روحك حتى تشحن بطارية الروح.
الضحك ليس عورة تخجل منها ،ليس فريضة أن تقول اللهم إجعله خير بعد فرط الضحك ، ليس بالضرورة الطفل الضاحك هو إبن موت ، الضحك غاية في منتهى الرقي والسمو ،وسمير غانم قد نذر حياته في سبيل هذا الهدف.
[caption id="attachment_6827" align="aligncenter" width="300"] نجم الكوميديا الراحل سمير غانم[/caption]