زينب علي البحراني تكتب: لا تخدعونا بسعادتكم الزائفة!
بقلم: زينب علي البحراني
فُقاعةٌ هائلةٌ من الأوهام يعيش فيها ملايين الذين يكذبون على أنفسهم بسعادة، يؤثثونها بالخُرافات والمزاعِم المشحونة بالمُبالغات في عالمٍ يذوب فيه الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، ويقع في فخ تصديقها أولئك الحالمين بحياةٍ قادرةٍ على إشباع توقِهم لما لا يملكون، وإذا بالفقاعة تنفجر انفجارً مُدويًا عن خبرٍ تسيل الدماء من سطوره مُعلِنةً أن ادِّعاءات السعادة تلك لم تكُن إلا دورًا أدَّاه تُعساء يُمثلون دور السُّعداء على أمل بعث السلوى في قلوبهم الظمأى للمحبة والاهتمام.
كم مرةً نسمع عن خبر زوجين قتل أحدهما الآخر بوحشيةٍ دامبة رُغم أن حسابهما الفيسبوكي يفيضُ بالصور التي يظهران فيها بمظهر العاشقين، باقات ورود قادمة وأخرى ذاهبة، هدايا فخمة مع جُملةٍ مُستهلكةٍ من نوع: "الحمد لله الذي أرضاني بك وجعلك سر سعادتي"، أو صورة كفٍ أنثوية تُعانق كفًا ذكورية مع جُملة: "عشقتُ رجلاً ليس ككل الرجال" (هذه الجُملة بالذات تُذكرنا تلقائيًا بمقولة سُلطان في مسرحية العيال كِبرت: "رمضان بطيخة بقى مونامور!")، أو"في قلبي أميرة لا أرضى عنها بديلاً"، ثم نكتشف أنها هي التي اشترت باقة الورد وكتبت لنفسها الكرت، والهدية استعارتها من صديقتها عشر دقائق للتصوير، والأثاث الجديد ليس في بيتها بل في معرض أثاث، والعقد الذهبي البرَّاق ارتدته أمام المرآة في معرض مجوهرات زاعمة للبائع أنها ستُجربه عليها وبعد أن التقطت له الصورة الخالدة أعادته ليحتل مكانه خلف عارضته الزجاجية بينما تنظر له بحسرة! أما الرجال فلا يرتكبون هذا النوع من الحماقات الصغيرة لأنهم عُقلاء من هذه الناحية والأمر لا يهمهم قدر ما يُهمهم التصوير بجانب سيارة صديقهم البرَّاقة للإيحاء بأنها ملكهم، أو البدلة الأنيقة التي استعاروها نصف ساعة من صديقهم الذي استعارها من أخيه الذي استأجرها يومين للتظاهر بالثراء!
لماذا يسعى هؤلاء الناس للتظاهر بأنهم يذوبون ببعضهم البعض عشقًا وغرامًا بينما يتمنى كل فردٍ منهم هلاك الآخر؟ لماذا يُحمِّلون أنفسهم فوق طاقتها لغرس أفكار ذهنية غير واقعية في عقول آخرين ويستجلبون لأنفسهم مزيدًا من الخراب وطاقات الحاسدين السلبية لتُحرق ما تبقى من أواصر العلاقة وتُدمرها؟ هل يُريدون تقليد أفلامٍ رُومانسية لم يسمح لهم قدرهم أن يعيشوها في واقعهم؟ أم يعمدون لإغاظة بعض من يعرفونهم (لا سيما من يعرفونهن!) وإشعارهم أنهم يعيشون حياةً أفضل منهم؟ أم يبذلون ما بوسعهم لإخماد شماتة الشامتين الذين يتوقعون حجم الألم الحقيقي في تلك العلاقة؟
حالات الطلاق الصادِمة وحالات القتل المُفزعة التي تجيء بعد كُل مُبالغة في نشر تلك الرومانسيات جعلتنا عاجزين عن تصديق أي صورةٍ غرامية تفوح منها رائحة المُبالغة غير المنطقية، ونستشعر – على الفور- أن "وراء الأكِمَّة ما وراءها"، فالسُّعداء حقًا يندُر أن يتحدثوا عن حياتهم العاطفية لأنهم "يعيشونها" فعلاً، والشبعان حقًا ليس مُضطرًا للإسراف في الثرثرة عن شبعه لإقناع الآخرين به