عبد المسيح يوسف يكتب:كثافة الفصول و الزيادة السكانية و استغلال الآخرين .. وإعادة اختراع العجلة!
لم يصدمني بالمرة الكثافة الرهيبة لأعداد التلاميذ في الفصول بمصر، مع بدء العام الدراسي 10 أكتوبر، خاصة وأن هناك فصول لا يوجد بها مقاعد أو التلاميذ متكدسين بصورة غير أدمية على مقاعد لا تكفي أعداد التلاميذ.
كل هذه الصور لم تستفزني، لكن ما استفزني مطالبات البعض بتحميل كامل المسؤولية على كاهل الدولة، ومطالبتها بدلا من أن تقوم بعمل كباري وطرق أن تبني مزيد من الفصول. وماذا تتوقعون، حتى لو قامت الحكومة ببناء مزيد من المدارس والفصول، لشعب معدل الخصوبة والانجاب لديه عالي للغاية، بدعوة أن العيال سيكونون في المستقبل مصدرا للرزق وزيادة دخل الأسرة، علما بأن هذا تفكير غير رشيد، خاصة وأن ظروف الحياة تغيرت عن القرية قديما، حيث كان يعمل الأطفال والأبناء الكثيرين في الحقل مع أبيهم.
بجانب مسؤولية الدولة والحكومة عن حسن إدارة تعداد سكانها، هناك مسؤولية للأسر، الأزواج والزوجات، خاصة غير المقتدرين، والذين ينجبون أكثر من طاقتهم وقدرتهم المالية، ثم بعد ذلك يخرجون أولادهم من المدارس ليعملوا في سن مبكرة، أو يتسولون ممن حولهم بأنهم لا قدرة لديهم على مواجهة تحديات المعيشة. طالما أن مدرك لذلك، لماذا لا تكتفي بطفل أو طفلين، بدلا من أن تنجب أكثر من طفلين وأن لا قدرة لديك على تحمل مصاريفهم، وتتجه بعد ذلك للأقارب أو المؤسسات الدينية أو المجتمعية أو غيرها لتشكو لها قسوة الحياة وغلاء الأسعار، حيث يساعدونك، ثم تتخيل بعد ذلك أن هذه المساعدة حق مكتسب لك، سواء كانت من أفراد أو أشخاص. ليس من العيب أن نكون فقراء، ولكن من الغيب أن نكون مستغلين وغير مسؤولين.
هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الدولة في إدارة تعداد سكانها الكبير، خاصة وأنها يمكنها عمل مشاريع قومية تستوعب قدر من هذه الأعداد في سوق العمل. لكن ما يحدث لو كانت أكثر من نصف السكان، تحت سن العمل. هنا على الدولة مسؤولية تنظيم النسل، من خلال برامج متنوعة منها رفع الدعم ومجانية التعليم بعد الطفل الثاني. وهذا البرنامج طبقته الصين، وليس بدعة أو ضربا من الخيال. فإذا كنت مقتدرا وتريد إنجاب المزيد من الأبناء والبنات فهذا حقك، ولكن ليس من حقك أن تجهد كاهل الدولة أو المحيطين بك من ميسوري الحال أو المؤسسات الدينية والمجتمعية لتحصل على بقية الدخل منها دون وجه حق.
بالطبع هناك فارق كبير، بين شخص محتاج أو فقير، وبين شخص يبحث عن زيادة دخله بسبب زيادة النسل في أسرته بسبب عدم وعيه هو أو زوجته أو كليهما، ومحاولتهما أو محاولة احدهما استغلال من حوله، علما بأن هناك فئات أكثر استحقاق لهذه المساعدة، منهم الفقراء دون قدرة على العمل، من العجزة وذوي الأمراض، خاصة المستعصية، والأرامل والأيتام لظروف قهرية، وغيرهم من الفئات، التي تستحق المساعدة، بعيدا عن المسلك الاستغلالي للبعض، متصورا أن استغلاله لموارد الدولة، أو الرزق الذي ينعم به الله على الباقين من حوله، هو حق مكتسب له أن يحصل منه علي أي قدر، وأن هذه شطارة منه، متناسيا أن هناك فارقا كبيرا بين أن يكون له حق تحصل عليه، وأن تكون مستغلا.
ليس من العيب أن نكون فقراء، ولأننا يمكن أن مسؤولون ونبحث عن تطوير أنفسنا ومصادر دخلنا بصورة إنتاجية غير استغلالية. والدولة لا تستطيع أن تقوم بكل شيء، ولكنها تتحمل مسؤولية تنظيم النسل في مجتمع يعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة مع ضعف الدخول، وبالتالي كما نحاسب الدولة أن تكون رشيدة في إدارة مواردها، علينا أن نطالب الشعب بأن يتحمل المسؤولية، ولا يجهد كاهل المجتمع والدولة بإنجاب لا يفيد المجتمع. خاصة وأن هناك أسرة كبيرة العدد، غير قادرة على توفير الحياة الكريمة لكل أبنائها، بل وهناك أسرة قليلة العدد بسبب عدم الوعي، وقع بعد أبنائها في براثن البطالة أو العمل الموسمي أو تعاطي المواد المخدرة، رخيصة الثمن، هروبا من واقعه غير الراضي عنه، والذي يتحمل المسؤولية عنه كل من والديه والحكومة معا.
تنظيم النسل قضية مجتمعية، تتحمل مسؤوليتها الحكومة والأزواج والزوجات معا، لانهم تمثل تهديدا لمستقبل الأبناء والبنات، وهذا كله يحدد مستقبل المجتمع والدولي. وبالتالي لا يجب علينا أن ننتقد ارتفاع الكثافة في الفصول، ولكن علينا اقتراح حلول لهذه المشكلة، التي نعرفها منذ عشرات السنين دون أن نقنع الشعب أو الجزء المعني منه بالحلول العملية، لان نجاح الدولة والحكومة في علاج تفاقم الزيادة السكانية ومنها الطاقة الاستيعابية للفصول والعنوسة والجريمة والادمان وانتاجية المواطن في العمل ... وغيرها يتوقف في الجزء الغالب منه على مسؤولية المواطن، ورغبته في الحصول على حياة كريمة ومستورة بعيدا عن مساعدات الآخرين أفراد ومؤسسات.
عبد المسيح يوسف - مونتريال
عضو نقابة الصحفيين المصريين