أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

خالد منتصر يكتب: الميكروباص و”العنعنة” والتاريخ

سقط ميكروباص في نيل القاهرة منذ عدة أسابيع، وعاشت الصحافة والدولة والشرطة فترة كبيرة من التخبط والتوهان، اختفى الميكروباص وكأنه إبرة في كومة قش، تطوع عدد من أمهر الغواصين للبحث عن الميكروباص بدون جدوى، النيابة احتارت في التوصيف هل هي جريمة؟ أم حادث قضاء وقدر؟ لكن أين جسم الجريمة؟ لا يوجد حتى راكب واحد، لا توجد بلاغات اختفاء، أين اللوحة المعدنية؟، من هو السائق..الخ ..ألف سؤال وسؤال أشعل الحيرة والغموض حول هذا الميكروباص، وفي النهاية اتضح أنه لا يوجد ميكروباص، وأنها مجرد كلام مرسل أو إشاعة أطلقها عابر سبيل، بغرض أو بهزار - الله أعلم- وتم تناقلها عبر "العنعنات"، إلى أن أصبحت حقيقة.

وتاريخنا العربي للأسف يعيش حكاية الميكروباص منذ فجر التاريخ، يعيش أسير تلك "العنعنات"، تاريخ يكره التوثيق والإحصاء، ويعادي الرقم والصورة والحفرية، مغرم بالملاحم وعاشق لأجواء حكايات وملاحم أبو زيد الهلالي ، جرب يا عزيزي أن تحكي حكاية في أذن شخص يقف في طابور مكون من عشرة أشخاص، ستجد أن الحكاية التي حكيتها عن زيد في بداية الطابور، صارت عن عبيد في آخر الطابور ، حكاية بسيناريو مختلف وحوار مضاد ومختلف تماماً عن حقيقة ما ذكرت في البداية، فما بالك بقول قد قبل منذ ٢٥٠ عاماً وتم تناقله عبر "العنعنات" وتريد إقناعي بأنه قد نقل كما هو بالحرف واللفتة، مهما قلت عن ذاكرة الحفاظ، فنحن في عصر أقوى ذاكرة وهي الصورة ومازلنا نتجادل حول أحداث رصدتها الكاميرات ونختلف فيها!!

فمازالت جريمة قتل كنيدي على سبيل المثال لها ألف رواية، مازالت تفاصيل  قتل أو انتحار عبد الحكيم عامر غامضة ولها طرق حكي بعدد حكائيها، مازال نيازي مصطفى لا نعرف سبب موته، مازال اختفاء الإمام موسى الصدر لغزاً !! هذه مجرد أمثلة لحكايات قريبة تتضارب فيها الآراء، وأتعجب جداً من كم الثقة واليقين الذي يتعامل به البعض مع أحداث حدثت منذ أكثر من ألف سنة، يحكون عنها وكأنهم رأوها رؤي العين منذ دقيقة! بل ويبنون على تلك الحكايات يقينيات دينية ترتقي لمرتبة العقيدة، ويتناحرون بسببها مثلما يحدث بين السنة والشيعة على سبيل المثال، تصبح تلك اليقينيات ديناً موازياً بديلاً.

تساءل باحثون كثيرون في التاريخ والذين يتعاملون معه كــــ"علم" وليس كــــ "جلسات سمر"، عن حفريات الأنبياء حتى يكتبوا التاريخ بجد ومسئولية وتوثيق، وطرحوا على سبيل المثال قصة النبي موسى والنبي يوسف، وقالوا أين هي على جدران معابد الفراعنة وبردياتهم؟! وعندما اقترب طه حسين من محاولة المناقشة الموضوعية لنصوص شعرية، خاف السلفيون أن يمتد التشكيك لمناطق مقدسة أخرى فقدموا فيه بلاغاً، لولا وكيل النيابة المستنير محمد نور، لقضى طه حسين نصف عمره بين جدران السجن! تساءل عالم التاريخ الحقيقي عن وثيقة أقدم نص مقدس لكل دين، أراد أن يلمس هذا النص البكر في طزاجته الأولى، لكن حراس المعبد أطلقوا زبانيتهم على هؤلاء الباحثين الذين إتهموهم بالازدراء... تاريخنا يا سادة يحتاج إلى الوثيقة لا "العنعنة".