خالد منتصر يكتب: الرقابات وهيئة النهي عن المنكر
هناك جهاز رقابة في مصر على المصنفات الفنية يرأسه الفنان خالد عبد الجليل، لكن هذا الجهاز صار أضعف جهات الرقابة، فهناك رقابات مجتمعية صارت الأقوى والأكثر تأثيراً، استجابة للمزاج السلفي السائد في مصر، صار الشعب كله مطوعين، أصبح الناس في الشوارع هيئة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، شيزوفرينيا من الشعب المتدين بطبعه، الذي يغض البصر عن التحرش لكنه لا يغضها عن منى زكي في فيلم "أصحاب ولا أعز"، وينفعل مطالباً بمنعها هي ونتفلكس، ولو كان بيدهم الأمر لسجنوها وسحلوها.
صار المشاهد يتعامل مع الفنانة كأنه رايح السينما عشان يخطبها لابنه، ومش رايح يشوف فيلم هي بطلته! رقابة هذا المزاج السلفي قتلت أي فن وإبداع، وأفرزت جيلاً من الفنانين معظمه مؤمن بالخرافات، ويغازل الجماهير بنفاق ديني ورسائل رجعية حتى يرضوا عنه، يقدم لهم القرابين ويصير بــــ"الزمبلك السلفي" حتى يمنحوه صك النجومية وعرش السينما النظيفة خالية الدسم الفني.
ومنذ أن سمحنا لعامل مطبعة هيئة الكتاب منذ سنوات بعيدة أن يعترض على صورة رسم عاري في مجلة إبداع، ورضخنا له، كانت بداية الكارثة، توغلوا وفردوا القلوع وتوحشوا، صارت هناك رقابة أزهرية على الكتب والأفلام والدراما، ذهب رئيس قطاع الإنتاج إلى شيخ الأزهر لكي يكتب بنفسه الرد على السيناريست وحيد حامد في مسلسل العائلة!
صودرت كتب وروايات وأشهرها "وليمة لأعشاب البحر"، اعتراضات وتكفيرات لعبد الوهاب ضد أغنيته "من غير ليه"، وضد عبد الحليم في كوبليه "قدر أحمق الخطى و"لسه شفايفي شايله سلامك"، حفاظاً على نقاء إيمان وورع الشفايف! أن تخرج منظمة المفروض أنها حقوقية لتطالب بإعدام المثليين جنسياً لأن فيلماً له أكثر من عشر نسخ عالمية جاءت فيه شخصية "مثلي"!! كيف لا تدرك هذه المنظمة وبعض النواب أن مثل هذه المطالب صار مكانها كهوف القرون الوسطى، وتخرجنا من التاريخ لو نفذناها، صودر فيلم "المهاجر" بقرارات المشايخ، وحرمنا من عرض فيلم "المسيح" بنفس نوعية القرارات، وتم تقزيم وتحجيم الفن من خلال فزاعة حماة الفضيلة الذين يتلظوا على الأرض بنار الشوق إلى الحور العين والغلمان المخلدين في السماء!!
تخيلوا في القرن الحادي والعشرين يصير "التريند" المصري مطالبة أحمد حلمي بتطليق منى زكي!! وتقولي لي بعد كده نعمل فن، وتسألني هو الفن إتدهور ليه؟!! معقول تعمل فن وضباع الزومبي تنهش لحمك كل دقيقة؟؟! مستحيل، طالما المصري مازال يشاهد الفيلم وكأنه يتلصص على جارته من ثقب باب الحمام.