عبد المسيح يوسف يكتب: من يكسب الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟
في العصر الحديث، نادرا ما يوجد كاسب في الحروب، بعد التقدم التكنولوجي وضغوط المجتمع الدولي ومنظماته، وعادة وإن لم يكن دائما، الحروب مثل المباريات الصفرية النتيجة، الجميع فيها خسران. إلا أن تحليل أسباب قيام الحرب، ربما يساهم في فهم مآلها؟
الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ليست كما يرى البعض ممن يريدون إقحام الدين في كل شيء، ليست بين أبناء كنيسة واحدة، هي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، هذا طبعا أمرا واقعا، لكن الحرب لم تقم لهذا السبب.
السبب الرئيسي للحرب، هو الدور الأمريكي تحديدا والغربي عاما، المحفز لعدم الاستقرار في بعض المناطق، بسبب الضغوط الأمريكية على أوكرانيا لتنضم إلى حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، وهذا يمثل تهديدا صريحا لقلب الأمن القومي الروسي. ولا يجب أن ننسي أن أوكرانيا، تعتبر ظهير أمني استراتيجي لروسيا، فضلا عن كونها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة المقربة من موسكو، و"روسيا الأم العظمي".
البعض منا يتذكر الثورة البرتقالية في أوكرانيا، بدعم من الغرب، وخاصة أمريكا، لتقلب نظام الحكم في أوكرانيا، لتطيح بنظام حكم موالي لموسكو، ولتأتي بنظام حكم جديد موالي لواشنطن والغرب.
أوكرانيا، دولة بها خيرات وموارد طبيعية، تغري أي قوى للسيطرة عليها سواء من حيث المحاصيل الزراعية المتنوعة وأهمها القمح، أو الموارد المعدنية، ومنها اليورانيوم، فضلا عنها ترسانتها النووية، التي يعتد بها. فأوكرانيا دولة ثرية للغاية بمعني الموارد الطبيعية.
من الناحية الجيو استراتيجية، لا يمكن بأي حال من الأحوال لموسكو أن تتنازل عن أوكرانيا لحلف الناتو، وإلا هذا يعد عدم رشادة سياسية من القيادة الروسية. وبالتالي السبب في هذه الحرب هو الولايات المتحدة والغرب، السائر بلا تمييز وراء واشنطن. مع مراعاة أن روسيا لم تستفز أمريكا أو الغرب أو الناتو، كل ما تطلبه موسكو تفهم حدود أمنها القومي، ولكن الناتو يبدو أنه يريد فرض سياسة الأمر الواقع، وضم أوكرانيا للناتو متجاهلا مخاوف روسيا.
قامت الحرب، وتوقع الجميع أن روسيا قادرة على طحن روسيا في سويعات قليلة واحتلال كييف، عسكريا هذا أمر صحيح، لكن من الواضح أن من الأهداف المعلنة لموسكو، أنها لا تريد تدمير أوكرانيا، هي تريد تغيير نظام الحكم المغيب والسائر وراء أمريكا والغرب، بغرض الانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي.
العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية على روسيا لن تدمر الاقتصادي الروسي، لأن هناك ظهير قوي للتعامل التجاري والاستثماري ممثل في الصين، هذا العملاق النائم، الذي لا يحب أمريكا، ولن يسير في ركابها، فضلا عن أن الإدارات الديمقراطية الأمريكية، كثيرا ما سببت الفوضى في العالم، ومنها ما أطلقت عليه ثورات الربيع العربي، التي خربت العديد من الدول الشرق أوسطية، وكانت بتحالف بغيض مع قوى الإرهاب والإسلام السياسي الدموية، التي مولتها ودعمتها الإدارات الديمقراطية الغربية.
أمريكا أيضا تضر اقتصادها ومواطنيها، الذي يعانون من ارتفاع أسعار الطاقة، وكل ما هو مرتبط بالطاقة، خاصة وأن دول الخليج ترفض زيادة المعروض من الطاقة في الأسواق العالمية، لاعتبارات مسبقة، بسبب الموافق السلبية للإدارة الديمقراطية الغربية من بين الدول الخليجية، فضلا عن أنها فرص للاستفادة من ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإيرادات الوطنية.
أمريكا تريد إطالة أمد الحرب لإنهاك روسيا، التي تريد تغيير نظام الحكم، أو التفاوض مع نظام الحكم في أوكرانيا مقابل الاعتراف بحقوق روسيا في الحفاظ على أمنها القومي، وتأكيد أوكرانيا أنها لن تنضم للناتو وأمريكا العدو التاريخي لروسيا، والذي بسبب صراعها قامت الحرب الباردة وقسم العالم بين شرق وغرب، غرب رأسمالي، وشرق اشتراكي وشيوعي، حلفين عسكريين وارسو وناتو.
العقلاء يتمنون أن تنتهي الحرب سريعا، لأن من يدفع الثمن؟ هم الأبرياء الضعفاء، الذين لا حول لهم ولا قوة؟
ولكن هل ستتنازل أمريكا عن مطامعها بتهديد الأمن القومي الروسي، والتوقف عن الضغوط على أوكرانيا والانضمام للناتو والاتحاد الأوربي، بما يمثل تهديدا مباشرا لروسيا، حيث يصبح الناتو على بعد كيلو مترات من حدودها؟
لا تزال الإدارات الديمقراطية الأمريكية، تثير الفوضى في العالم، وتوظف وتستغل الإعلام بدعوى الديمقراطية، للحديث عن الدفاع عن قيم هي ليست فيها. هذه الحرب ستنتهي فورا بمجرد إعلان أمريكا احترام الحدود الروسي ومراعاة الأمن القومي الروسي، ولكن يبدو أن لدي إدارة بايدن التي تعاني شأن إدارة أوباما التي خربت العديد من دول الشرق الأوسط الغربية، دون أن تكسب أي شيء، بل ساءت سمعة لدرجة كبيرة لدي الموطن العربي، باستثناء أن أنصار الجماعات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي المتطرفة والدموية، أصبحوا حلفاء لواشنطن؟
هل ينجح الرئيس الروسي بوتين، في ظل حربه على أوكرانيا لحماية الأمن القومي الروسي، دون مطامع تدمير الدولة الأوكرانية، في هزيمة أمريكا والناتو سياسيا؟ وقيام حركة عالمية تطالب باحترام حقوق الدول في الحفاظ علي أمنها القومي، بعيدا عن سياسات الضغط وتحريض الدول المجاورة لتهديد أمن دولة محددة؟
لا نملك إلا الاستمرار في متابعة تطورات الأحداث، وأن تنتهي الحرب، حفاظا على أرواح الأبرياء، الذين يدفعون الثمن غاليا.