خالد منتصر يكتب: هل اختفت الطبقة الوسطى؟
الطبقة الوسطى في أي بلد هي رمانة الميزان، وهي التي تحافظ على الاستقرار الاجتماعي، هي أكثر الطبقات حرصاً على القيم الأساسية، طبقة متحفظة أخلاقياً في الغالب، وحريصة مادياً في معظم فترات حياتها.
في أوروبا كانت النهضة والاستنارة من صناعة الطبقة البورجوازية، كان المفكرون والفلاسفة معظمهم من تلك الطبقة، لكن كان بعضهم يفر إلى حضن النبلاء والأرستقراطية لحمايتهم من البطش، لكن عصب النهضة الأوروبية كان نتيجة لتغير أدوات الانتاج، وظهور المصانع، وهجرة الطبقة الوسطى المتطلعة إلى غد أفضل والمتمردة على وضعها القروي الساكن الساكت.
اما الطبقة البورجوازية بدأت تراكم الثروة، وتبني منظومة قيم جديدة متمردة على قيم الاقطاع، وتم إنشاء المدن بقيمها الجديدة التي تعتمد على احترام الخصوصية وتشجيع الابداع ومحاربة الأفكار الرجعية وتعظيم دور المرأة، من تلك النقطة بدأ عصر النهضة الأوروبية، وتم النمو لتلك الطبقة التي صارت في أوروبا هي المحرك الأساسي للتقدم وأيضاً الحارس لقيم المساواة والعلمانية والحرية.
لكن ما هو الفرق بين نشأة تلك الطبقة في أوروبا وبينها في مصر؟ إنه فرق جوهري في النشأة والولادة، للأسف طبقتنا البورجوازية نشأت في كنف الإقطاع الزراعي وليست من التمرد على الاقطاع ، وهنا ولد الجنين مشوهاً منذ البداية، بدأت الطبقة الوسطى في التشكل على استحياء محملة بتلك الطفرة الجينية المشوهة، وما إن قلنا أنها تشكلت في الأربعينات ثم الخمسينات والستينات، وبدأت في فرض كلمتها، إلا أن الانهيار بدأ منذ بداية عصر الانفتاح، بدأت الطبقة الوسطى في التآكل رويداً رويداً، حتى صارت في الآونة الأخيرة شبحاً وكائناً هلامياً، المضاربات والسمسرة ودخول الأراضي الزراعية كردون المباني وتجارة العملة الصعبة والتهريب…الخ، جعل الجهد والابداع والاصرار ..الخ قيماً وسلوكيات لا لزوم لها، وصار أبناء تلك الطبقة مرعوبين من الانحدار الى الطبقة الأقل، وصار الكثير من الأبناء يتطلعون الى الصعود الى الطبقة العليا حتى ولو على جثة الضمير والقيم، لجأ الكثيرون من نلك الطبقة الى شرنقة الدين وجيتوهات السلفية للحماية من الانهيار النفسي، ولإقناع أنفسهم بأن هؤلاء الأغنياء الذين يكنزون المال هم كفرة فاسقون سيتم حرقهم وكيهم بأموالهم وذهبهم، أخطر ما يواجه أي وطن هو تآكل طبقته الوسطى، معظم زعماء مصر الوطنيين من تلك الطبقة التي لو انهارت لانهار معها كل شيء، وصار الوطن أطلالاً .