ادوارد يعقوب يكتب: وداعـــاً بطلنا فيـكتـور عبد الشـهيد
ودع عالمنا المادي البطل القبطي المهندس فيكتور عبد الشهيد منتقلا الي عالم الخلود يوم 21 يونية. وخسرت الامة القبطية واحداً من أخلص مناضليها وأشجعهم في الدفاع عن حقوق الاقباط ومناصرة القضية القبطية التي تدعو من اجل المساواة التامة بين المسلمين والاقباط في مصر ونبذ العنف الطائفي وفضح التمييز العنصري ضد اقباط مصر. ووقف بحزم ضد عملاء السلطة المصرية هنا في كندا بجرأة نادرة لا تهاب أي مخاطر قد يلوح بها اذناب الأجهزة الأمنية المصرية المتخفيين داخل الجحور المنتشرة في معظم بلاد المهجر لملاحقة الناشطين الاقباط ومحاولة ارهابهم وتخويفهم لإسكاتهم او اغرائهم لتجنديهم لحسابها. وقد شاهدت وعاينت ذلك شخصيا حيث تشرفت بالعمل معه تحت راية الهيئة القبطية الكندية وهي مؤسسة حقوقية مسجلة في كندا مهمتها اسماع صوت الاقباط المقهورين في مصر، للشعب الكندي والحكومة الكندية ولكل العالم الحر. الباشمهندس فيكتور هو من جيل الرواد الأوائل الذين اسسوا العمل القبطي في بلاد المهجر وحفروا بنضالهم صخورا من المعوقات والأخطار والعراقيل وازاحوا أطنانا من الاتربة التي اهالها الظالمين على معطيات قضايا ومعناة اقباط مصر ومهدوا الطريق لأجيال لاحقة من الحقوقيين الاقباط. لم يكن فقط زميل كفاح، ولكنه كان من الأساتذة الحقوقيين الذين تعلمت منهم الكثير في هذا المجال.
تبدأ قصتي مع البطل فيكتور في منتصف عام 1996 حيث شجعني على الالتحاق بالهيئة القبطية الكندية الذي هو أحد مؤسسيها والتي تشرفت فيما بعد ان أكون عضوا بمجلس ادارتها وسكرتيرا لها على ما يقرب من 15 عاما. كان مخلصا الي درجة نادرة للدفاع عن المظلومين والمضطهدين من الاقباط وكثيرا ما كان يثقل كاهله بمشكلة قبطي لاجئ وكأنها مشكلته الشخصية لا يبخل بوقت او جهد او مال في سبيل ان يوصله الي بر الأمان وكنت من خلال مشاركتي البسيطة معه أرى كل ذلك بنفسي وأعاين تضحياته المادية. كان يفضل أحيانا مصلحة الغير على مصالحه الشخصية، ناهيك عن اهتمامه بمشاكل اقباط الداخل فكم من مشاكل اضطهاد تعرض لها اقباط في مصر واستطاعوا الاتصال به سواء مباشرة او عن طريق وسيط يستنجدون به فلم يكن يهدأ له بال الا بمحاولات مستميتة بل أحيانا تبدو مستحيلة لإنقاذهم وهناك الكثير من الحكايات حول خطف البنات القبطيات او حرق ممتلكات اقباط او موارد ارزاقهم وكيف كان يسعى لجمع الأموال لهم وايجاد من يدافع عنهم سواء داخل مصر من المحامين او خارج مصر من الهيئات الحقوقية العالمية مثل الهيئة القبطية الكندية التي ظل يخدم بها منذ انشائها الى النفس الأخير. ان من اهم فضائل البطل فيكتور هو نكران الذات والعمل في صمت، حتى انه كان هناك من يسعون الى الظهور (وهم كثيرون للأسف في مجال العمل القبطي) كانوا يتسلقون الشهرة ويجنون ثمار ليست لهم على حسابه وكان لا يهتم او يضيع وقتا لأخذ حقه، بل كان كل ما يهمه هو الثمار التي جنيت ولا يهمه ان يقال من حققها. كان جنديا مجهولا لا يعرف قيمته الا من يعملون معه وكان الدينامو المحرك لأعمال الهيئة الكندية القبطية. هناك مواقف لا حصر لها شاهدتها بنفسي تبين جرأته في الوقوف مع الحق والتصدي لمن يدلس ويقف في طريق العمل الحقوقي القبطي واذكر هنا بعضها:
- أرسلت السلطات المصرية لجان مخابراتية متخفية تحت شعارات وأسماء وهمية وكان ذلك قبل زيارة من زيارات مبارك للولايات المتحدة في محاولة لتخدير الحقوقيين الاقباط كي لا يثيروا مشاكل اضطهاد الاقباط اثناء زيارة مبارك، كما كان يحدث في زيارات سابقة وسبب احراج له امام السلطات الامريكية. ادعت السلطات المصرية ان اللجان ستناقش مع نشطاء الاقباط في المهجر كل مشاكل الاقباط مع وعود بمحاولة حلها ووجهت الدعوة الى الهيئة الكندية القبطية للحضور امام اللجنة التي جاءت الي تورونتو وكان البطل فيكتور وشخصي من ممثلي الهيئة في هذا اللقاء وكنت احد المتكلمين وقدمت بحثا عن مشكلات بناء الكنائس في مصر وعددها الضئيل بالنسبة لعدد المسيحيين المصرين مقارنة بعدد الجوامع ونسبتها لعدد المسلمين فما كان من ضباط المخابرات المتخفيين الا ان استخدموا أساليب منمقة اعتدناها من السلطات ووعود براقة مضللة كمحاولة لتهدئة الناشطين فما كان من البطل فيكتور الا انه طلب الكلمة وبدأها بعبارة جريئة معبرة وهي" اشوف كلامك اصدقك واشوف امورك استعجب" وفضح اساليبهم الملتوية وتاريخهم المخزي مع الاقباط.
- في مجال الاعداد لأحدى المظاهرات التي كانت تنظمها الهيئة القبطية للاحتجاج على احد المذابح الى مورست ضد اقباط مصر وفي اجتماع تحضيري حضرته بعض القيادات الدينية تكلم احد هذه القيادات وربما دون علمه بعدم صحة ما يقوله، مرددا بعض الادعاءات الكاذبة التي تروجها السلطة في مصر، فما كان من البطل فيكتور الا ان قاطعه في جرأة نادرة و الاحتجاج عليه وافهامه بكذب هذه الادعاءات في الوقت الذي لم يجرأ أحدا على الاعتراض عليه او حتي مناقشته نظرا لمركزه القيادي الديني واعتياد الأغلبية علي عدم الاعتراض على رجل الدين حتى لو أخطأ. ولم يهتز بغضب القيادي وثورته وتهديداته، بل حاول في ثبات واحترام ان يبين له انه من حقه ان يصحح له المعلومات الغير صحيحة.