أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

عبد المسيح يوسف يكتب: في مواجهة اليوان والروبل..متى ينفك ارتباط الاقتصادي العالمي بالدولار؟ (3)

مع انتصار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفييتي سابقا، تأكدت هيمنة الدولار، كعملة رئيسية للمعاملات في النظام الاقتصادي والتجاري الدولي. وكانت هيمنة الدولار تأكيد لسيادة السياسة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة بين القطبين الشرق والغربي. ويبدو أن الدول بشر، وبعد فترات عمرية تتغير الأمور، وهذا هو التطور الطبيعي للنظام الوطني والدولي وحتى للإنسان ذاته.

معطيات كثيرة تجعلنا نتحدث عن قرب انتهاء هيمنة الدولار علي المعاملات في النظامين التجاري والاقتصادي العالميين، لعل كان السبب الرئيسي لها الحرب الروسية الأوكرانية، التي من الغريب أن نكون في القرن الحادي والعشرين، وتكون أسباب هذه الحرب العودة إلي سياسات القرن الماضي للحروب بالوكالات وصراع الأحلاف، علي الرغم أن حلف دول الشرق وارسو انهار ولم يتبق إلا حلف الناتو للغرب الأوروبي والأمريكي، الذي يسعي إلي جر شكل الشرق ممثلا في أكبر عملاقين في الشرق روسيا والصين.

عندما قامت الحرب الروسية الأوكرانية، تخيلت الإدارة الأمريكية، التي تعاني من الشيخوخة وعدم الواقعية في اتخاذ القرارات أن الروبل الروسي سينهار، ويعادل في أسواق الصرف كل دولار نحو 200 روبل وتنخفض قيمته بصورة كبيرة، ولكن هذا لم يحدث. ارتفعت قيمة الروبل أكثر من 7% ولم تعاني الصين وروسيا من أي مظاهر للتضخم الذي أصبح ينهش في جسد الاقتصاد العالمي خاصة في الدول الغربية في أوروبا وأمريكا الشمالية وبقية العالم، بسبب الارتفاع الرهيب في أسعار الطاقة، التي يسيطر عليها الشرق من ناحية، وارتفاع اسعار المواد الغذائية، وتضررت شعوب الغرب والعالم من آثار التضخم أكثر من شعوب روسيا والصين المتحالفتين ضد البطش الأمريكي والتبعية الغربية الأوروبية لواشنطن تحت مسميات غير منطقية ولا علاقة لها بالحرب، بدعوى الديمقراطية والحرية لأوكرانيا، علما بأن روسيا لو فعلت نفس الأمر مع إحدى الولايات الأمريكية أو الأقاليم الكندية، الساعية للانفصال والاستقلال سيكون موقف كل منهما علي نفس مستوى الموقف الأمريكي والأوروبي التابع.

في منتدى سانت بطرسبرج للطاقة كان خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذو دلالات قوية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية تحليل كل جانب فيه دون الأخذ بكل تفاصيله، ولكن أهم نقطتين كانت في هذا الخطاب أن روسيا لم تتضرر من هذه الحرب بل الروبل زادت قيمته مقارنة بالدولار الأمريكي والعملات الاوروبية، التي تعمل إدارات بنوكها المركزية علي رفع معدلات الفائدة لمواجهة آثار التضخم. الأمر الثاني أن الولايات المتحدة كانت دولة منتجة للمواد الغذائية أما الآن فإنها من أهم مستورديها، وأن روسيا لن توقف تصدير المواد الغذائية الخاصة بها أو بأوكرانيا، التي عليها تأمين وسائل المواصلات الخاصة بالموانئ لتصدير هذه الحبوب الغذائية.

وكما يبدو من تحليل أهم نقطتين في خطابه هي أن روسيا علي استعداد لتحمل تبعات الحرب واستمرارها لفترة أطول دون أن تنهك اقتصادها، مقارنة بالاقتصاد الأمريكي والاقتصاديات الغربية الأوروبية التي تعاني أشد المعاناة من آثار التضخم وارتفاع الأسعار الذي زاد لأكثر من 20% وهو ما جعل شعوب هذه الدول لا تشعر بالرضاء تجاه قياداتها السياسية. وهذا الأمر جعل بوتين يتوقع أن السنوات القادمة لتحمل تيارات وتوجهات أكثر راديكالية يمينة ستقود إلي تغييرات جذرية في سياسات دولها بعد تغيير الحكومات، وهي حرب نفسية وسياسية بين بوتين وقيادات الحكومات الغربية المتحالفة مع واشنطن.

هذه التطورات صاحبها، تطورات كبيرة في السياسات النقدية والتجارية الدولية، إذ بدأنا نشهد صفقات كبري للسلاح والنفط تتم بين دول الخليج والصين وروسيا وتستخدم فيها عملات غير الدولار مثل اليوان الصيني القادم الجديد بقوة، وكذلك الروبل الروسي. وهذا الأمر يمثل أول مسمار يضرب في نعش الدولار الأمريكي كعملة رئيسية للمعاملات في النظامين الاقتصادي والتجاري الدوليين. بل وبدأت دول تنوع من سلات عملاتها وتقلل طوعا من احتياطاتها النقدية من الدولار لمصلحة زيادة احتياطي الذهب لديها، أو تنويع سلة العملات لتشمل اليوان والروبل الروسي، خاصة وأن التحالف الروسي الصيني اقتصاديا وعسكريا لا يستطيع الغرب بأي حال من الأحوال هزيمته أو حتي التفكير في الدخول في حرب عسكرية تقليدية ضده، لأنها ستكون الحرب العالمية الثالثة، التي لن يتورط فيها أي من قيادات هذه الحكومات، إلا إذا كانت الرشادة قد غابت عنها كلية.

لا يزال النظام العالمي يشهد المزيد من التطورات، تؤكد أن السيطرة الأمريكية سياسيا وعسكريا لم تعد كما كان الحال في الماضي، وحتي لو لم تفقد أمريكا هذه السيطرة كلية، فقد اهتزت صورتها كثيرا أماما الشعوب أو جزء منها، ولم تعد امريكا هذه القوة الخارقة القادرة علي إدارة شؤون النظام العالمي وحل كل مشاكله، ومازالت الأحداث تتطور بصورة كبيرة، ولكننا بالتأكيد نسير في اتجاه نظام عالمي جديد لمزيد من تعددية الأقطاب السياسية وسلة العملات وهو ما يمثل ضربة للولايات المتحدة الأمريكية والدولار علي حد سواء، وعلي الدول والحكومات الاستعداد لهذه المرحلة من الآن.

عبد المسيح يوسف - مونتريال

عضو نقابة الصحفيين المصريين