عبد المسيح يوسف يكتب: كيف يتعامل الغرب مع أزمة الطاقة هذا الشتاء؟
ينتظر أوروبا شتاء صعبا، خلال أسابيع قليلة، بسبب النقص الشديد في إمدادات الطاقة، وتحديدا الغاز الطبيعي القادم من روسيا الاتحادية، خاصة وأن أي نهاية للحرب الروسية الأوكرانية مستبعدة حاليا، في الأسابيع أو الشهور القليلة القادمة. ارتفاع الأسعار بسبب هذه الحرب الملعونة، لم يتوقف عند امتدادات الطاقة والغاز الطبيعي فحسب، بل امتد للحبوب والمنتجات الغذائية، التي يعاني منها المواطنون جميعا في الدول النامية والمتقدمة على السواء.
وقال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيببوريل، إن شتاء صعب ينتظر أوروبا، وأن والأشهر المقبلة ستكون حاسمة. وإن اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية قيد قراراتها السياسية وإن الاتحاد الأوروبي يريد التخلص من هذا الوضع. ولا شك أن الصراع الروسي الأوكراني الذي دخل شهره السابع منذ 24 فبراير الماضي، تحول إلى "حرب اقتصادية بين روسيا والغرب".
في سياق متصل، وضعت مجموعة G7 مجموعة الدول السبع الصناعية بوضع حد لسعر النفط والغاز، من أجل تقليل عائدات الطاقة الروسية. إلا أن روسيا أكدت أنها لن تورد النفط لمن لا يدفع بالسعر المحدد سابقاً، ما يفتح باب تلك الحرب على أفق مجهولة. لاسيما بعدما تأجلت عودة خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 1 التابع لشركة غاز بروم. دفع هذا الأمري البيت الأبيض إلى التأكيد على أن روسيا تستخدم الطاقة أداة للضغط على أوروبا. وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي لرويترز حول إغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الغاز إلى أوروبا "للأسف ليس مستغربا أن تستمر موسكو في استخدام الطاقة كسلاح ضد المستهلكين الأوروبيين". كما شدد على أن الولايات المتحدة وأوروبا تتعاونان لضمان توافر الإمدادات الكافية.
ولكن على أرض الواقع فإن هذا التعاون، شكلي، لم ير المواطنون الأوربيون أو الأمريكيون أي ثمار على أرض الواقع لهذا التعاون سواء فيما يتعلق بزيادة المعروض من الغاز الطبيعي والبترول أو ضبط أسعاره في أسواق الطاقة العالمية، حيث لا تزال معدلات التضخم والفائدة ترتفع بصورة جنونية غير مسبوقة في الغرب، وهو ما يمثل ضغوطا لا طاقة للمواطن الأوروبي والأمريكي وفي بقية الدول الغربية علي تحملها لفترة طويلة.
أسعار الغاز لا تتوقف عن الارتفاع في الأسواق العالمية بصورة جنونية، وصلت لأكثر من 15%، لتدور حول سقف 2900 دولار للألف متر مكعب. وهذا السقف أعلي مستوى لأسعار الغاز خلال الشهور الست الأخيرة من العام الجاري.
ألمانيا أكبر اقتصاد في أوربا تسعي بكل السبل لتوفير الغاز الطبيعي من أي مكان في العالم، لدرجة أن الحكومة الألمانية حاولت معرفة إمكانية أن تقوم كندا، نعم كندا، بمد ألمانيا باحتياجاتها من الغاز الطبيعي، خاصة وأن كندا من الدول المنتجة للطاقة البترول والغاز الطبيعي. إلا أن الموقف الكندي لم يكن مشجعا كثيرا، في ظل الاستهلاك الكندي الرهيب للطاقة خلال شهور الشتاء الكئيب حيث تصل درجات الحرارة هنا في الشتاء لأقل من 48 درجة، وتستمر لشهور ممتدة لسالب 25 تحت الصفر.
نعم كندا لديها صور أخري للطاقة، خاصة الطاقة المتجددة من المياه، التي لا تنضب هنا في كندا، وتحديدا إقليم الكيبيك، المصدر الرئيس للكهرباء والطاقة للعديد من الولايات الأمريكية، خاصة المجاور للكيبيك وفي مقدمتها نيويورك ونيوجيرسي وغيرها.
ليست ألمانيا وحدها، بل كل الدول الأوربية، خاصة وأنها ليست دولا منتجة للطاقة أو الغاز في موقف حرج للغاية أمام شعوبها، التي تعاني شأن بقية المسكونة من ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة.
على أوروبا أن تبحث عن مصادر أخرى للطاقة بعيدا عن الدب الروسي، ويبدو أنه في الأفق احتمالات التعاون مع إيران وفنزويلا صعبة للغاية، خاصة وأنهما من الدول الحليفة بشدة لموسكو، سياسيا وعسكريا وفي المنظمات الدولية.
يبقي الرهان المتبقي علي قطر، لتوفير قدر من احتياجات أوروبا من الطاقة والغاز الطبيعي، ولكن هل قطر بمفردها قادر علي توفير احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي؟ بالطبع لا. حتى لو كانت تركيا ستلعب دور الوسيط والسمسار في هذا المجال لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر تركيا.
يبقي كذلك دول مثل دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومعها مصر، التي أضحت من الدول المهمة في إنتاج الغاز الطبيعي. لكن المواقف الأمريكية تاريخيا وعبر السنوات الأخيرة، اثبت أن الإدارة الأمريكية لا تستحق أن تقف خلفها الدول الخليجية مصر، في ظل دعمها لحركات يمينية متطرفة متمثلة في جماعات الإسلام السياسي الساعية للتخلص من العائلات الحاكمة في الخليج والنظم السياسية في بقية الدول. هذه الدول لا تعلن صراحة دعمها لروسيا، ولكنها لا ترغب في مد يد المساعدة بأمريكا، التي طالما غدرت بالنظم الخليجية ومصر خلال السنوات الخمسة عشر الأخيرة، وبالتالي فهذه فرصة ذهبية لكي تعرف أمريكا قدر ووزن هذه الدول في الاقتصاد العالمي، في ظل معاناة المواطن الأمريكي من مستويات التضخم العالية فضلا عن فصل شتاء سيعاني منه بعض الشيء المواطن الأمريكي هو الآخر، وإن كانت درجته مختلف عما سيحدث في أوروبا.
وكما أعلنت الكيبيك في كندا أنه بحلول عام 2035 لن تكون هناك سيارات تسير في شوارع الكيبيك بالبنزين، بل ستكون كل السيارات تعمل بالطاقة الكهربائية. على أوروبا هي الأخرى، أن تطبق استراتيجيات بديلة ممثلة في الطاقة الشمسية، عبر استخدام ألواحها، لتصبح طاقة بديلة للبترول الغاز الطبيعي. وهذه كلها استراتيجيات عملية وإيجابية، لكنها تحتاج إلى سنوات للتنفيذ على أرض الواقع. في هذا السياق، إلى متى سيتحمل المواطن في المجتمعات الأوروبية والأمريكية والغربية ضغوط روسيا على العالم؟