زينب علي البحراني تكتب: فنان يخسر مُعجباته!
لطالما كان المشاهير من أبرز المؤثرين في خط الفكر العام للمُجتمع، لكن هذا التأثير غدا مُتبادلاً بصورةٍ سريعة في عصر ثورة انتشار الرأي العام عبر مواقع التواصُل الاجتماعي، حيثُ صار للجماهير المُتربعة على مقاعدها وراء الشاشات الذكيَّة دورها في إثارة جدلٍ قد يُضاعف من نجوميَّة النجم أو يضرب سُمعتهُ في مقتلٍ يصعب معه استرداد وهجها من جديد، ومن أبرز التصريحات المُثيرة للجدل ما يتكرر على ألسِنة بعض الفنانين من رفضهم خوض نِساء أُسرهن تجربة العمل في مجالاتٍ ترتبط بالاتصال الجماهيري وتهبهن حقهن من التعبير عن الذات والشهرة والتأثير في المُجتمع! بل إن بعضهم يجروء على الإعلان بصراحة أنه ضد حق المرأة في العمل بمختلف مجالاته (وإن كانت طبيبةً أو مُدرِّسة!) إلا إذا كادت تموتُ من الجوع! ولا يتورَّع عن الاعتراف بتلك الحقيقة المُخزية أمام مُقدمة البرنامج التي لولا وجودها ما لمَع وجوده في هذا المكان!
كُنتُ أُشاهد بمنتهى الإعجاب باقة من اللقاءات التلفازية مع أحد الفنانين، حتى صادفتُ إعلانه عن مُعتقده الخطِر بأنه يرفض حق العمل للمرأة في أي مجالٍ من المجالات، خلال لحظة انهار إعجابي ومات، ألغيتُ خطتي لمُتابعة بقية اللقاءات والاهتمام بأعماله القادمة، محوتُ مُلاحظاتي التي جمعتها بهدف كتابة مقالٍ يُناقش موهبته، وفقدتُ شغفي بأن أكون من مُشجعاته مُستقبلاً، إذ ما الذي يدفعني لتشجيع شخصٍ يعيش من مهنة تعتمد على استغلال تشجيع المُعجبات بأعماله معنويًا وماديًا بينما حقيقته الداخلية لا تكتفي بعدم تشجيع المرأة؛ بل بقمعها وتدمير أحلامها وحرمانها من حقها في التعبير عن ذاتها بالوسيلة التي تراها مُناسبة؟ كيف يُمكنني أن أُصدّق كلمات أعماله الرومانسية القائمة على ثيمة الحُب بين الرجل والمرأة من شخصٍ لا يؤمن بأن أهم أركان الحُب هو حُرية الحبيب في اتخاذ القرارات التي تخصه وبقائه في حياة المحبوب بكامل إرادته ورغبته رُغم تلك الحُرية لا لخوفه من الطلاق أو الهُجران والعِقاب بمختلف صوره؟!
الإبداع هو أعظم صورة من صور الحُرية لا سيما في المُجتمعات المحرومة من حُرية التعبير عن الرأي بالكلمات المُباشِرة، والمُبدع الذي يعتنق فِكرًا قمعيًا تجاه الجنس الآخر من المُجتمع باعتبار أن تلك السنتيمترات الذكورية من جسده تجعل له الحق المُطلق في الأمر والنهي والمنع والتقييد والتهديد إلى الأبد يصعب علينا احترامه احترامًا حقيقيًا نابعًا من أعماقنا كجمهور، ويصعُب على زميلاته في المجال الإبداعي ذاته إعادة التعامل معه مادام في قرارة نفسه يحتقر خيارهن في التعبير عن موهبتهن، وربما ينظر لهن نظرة مشينة لأنهن يخرجن من بيوتهن للعمل والتواصُل مع الزملاء والجماهير!
أيها الفنان غير الكبير: مثلما تعتبرنا "فاسقات" أو"مُنفلِتات" لأننا نُعبِّر عن جزء من ذواتنا بالعمل؛ نحن أيضًا نملك حُرية القرار لاعتبارك مخوقٌ مُتناقض مُزدوج لا يستحق الاحترام، ولا يستحق منا دعم شُهرته التي تدعم حساباته المصرفية وإطلالاته التلفازية التي تنتقص من حقنا في الحياة.