عبد المسيح يوسف يكتب: بايدن يتحدث عن إعادة ترشيحه للرئاسة ... هل أفلست أمريكا نخبوياً؟
حالة من الاستغراب تُسيطر على الأوساط السياسية والتحليلية في أمريكا الشمالية عامة، والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بعد إعلان جوزيف بايدن الرئيس الأمريكي، الأسبوع الماضي، استعداده للإعلان عن بدء إعادة ترشيحه لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، لفترة رئاسية ثانية.
الاستغراب لا يأتي من نية بايدن إعادة الترشيح للرئاسة وهو أصابه من الكبر، ما يجل رجل في سنه يجب أن يكون جليس أريكة في حديقة منزله، أو يتجول في العالم للتنزه بعد أن بلغ من العمر أرذله، ولكن الاستغراب يأتي من رد فعل الناخب الأمريكي، الذي استقبل الخبر كما لو أن أمريكا لم يعد لديها نخب شابة أو ناضجة، قادرة علي إعادة ضخ الدماء في شرايين النظام الأمريكي، الذي أصابته الشيخوخة والوهن منذ سنوات، منذ أن أصحبت الرئاسية مباراة صفرية النتيجة بين بايدن الديمقراطيين وترامب المحافظين، والاثنان بلغ من العمر مداه، بغض النظر عن شعبية ترامب لاعتبارات أيديولوجية يمينية.
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها، حول دول الحزبين الكبيرين الديمقراطي والجمهوري في تنشئة وإفراخ نخب سياسية على مستويات عليا قادرة على قيادة أمريكا، التي أصبحت خافتة وواهنة في النظام العالم، وهو ما يجعل روسيا ما تريد في أوكرانيا، على الرغم من أن بوتين نفسه، ليس بشاب أو ناضج، ولكنه شيخ وقور، هو الآخر، شأن بايدن وترامب. ولكن شخصيته تختلف عن نظرائه الأمريكيين.
الناخب الأمريكي، أصبحت لقمة سائغة لتأثير وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، ويبدو أن وجد أن أحمد مثل الحاج أحمد، كما يقول المثل المصري الدارج، عندما لا يصبح أي شيء يفرق تماما. ترامب نفسه يفكر في إعادة ترشيح نفسه، لنعود مرة ثانية لجدلية بايدن وترامب، والدور القذر لوسائل الإعلام، والاتهامات الجمهورية للديمقراطيين بتزوير الانتخابات في أمريكا، رمز الحرية وقائدة عالم الغرب الليبرالي الحر.
هل حان الوقت ليتم تشكل تنظيم سياسي جديد في الولايات المتحدة الأمريكية، يعبر عن طريق ثالث يمكن لأمريكا التي خفت دورها العالمي بسبب شيخوخة بايدن، الذي لا يستطيع أن يصعد أو يهبط من علي سلم طائرته إير فورس وان كما كان يفعل بقية الرؤساء الأمريكيين السابقين في خفة ورشاقة، حيث سبق له وأن سقط من علي سلم الطائرة أكثر من مرة. بايدن ترك النظام العالمي لقمة سائغة في يد الصين اقتصاديا، حيث وجهت ضربات موجهة لأمريكا والغرب في ملفات عديدة منها الجيل الخامس لشبكات التليفون المحمول والتجارة العالمية والتعريفات الجمركية، وروسيا التي أصبحت المؤتمر الأول سياسيا في النظام العالمي في النقاط والمناطق التي تريد أن يكون لها تأثير فيها.
الناتو "حلف شمال الأطلسي" وخلفه دول أوربا الغربية، وكذلك بقية دول العالم ودوائره الاستراتيجية ومنها مثلا المنطقة العربية ودول الخليج، والتي كانت مناطق نفوذ وتأثير أمريكية استراتيجية وتقليدية لم تعد كذلك. النخب الشابة والجديدة في المنطقة الشرق أوسطية، أصبحت تدرك أن أمريكا أصابتها الشيخوخة، لم تعد في مقدورها أن تحافظ على صورتها الذهنية العالمية، بأنها شرطي النظام العالمي، القادر على الردع وسرعة الحركة.
يكفي هنا أن نعرف أن دول الخليج ومصر، لم تعد فعليا تعتبر الإدارة الأمريكية حليفا استراتيجيا يمكن الاستعانة به. على النقيض تماما خرجت مصر ودول الخليج من عباءة الإدارة الأمريكية، وأصحبت العلاقات بين الطرفين مجرد حزمة من التصريحات البراقة غير الحقيقية، التي تتحدث للاستهلاك الإعلامي، عن تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين. في حين أن الواقع يقول إن كل من دول الخليج ومصر ذهبت لتدعم وتقوي علاقاتها مع أعداء أمريكا في النظام العالمي الجديد وهما روسيا الاتحاد والصين. هذا القطبان الشرقيان، اللذان تربطهما علاقات وتنسيق لن تقوى عليه أمريكا ومعها الغرب الأوربي المكبل بمشاكله الداخلية من أمن وبطالة وشيخوخة وغيرها من قضايا داخليه في كتلة أوربا الغربية، وأمريكا ذاتها غير قادرة على مساعدة دول أوربا الغربية في الوصول إلى حلول لمشاكلها الداخلية والخارجية.
ولا نملك إلا طرح الأسئلة ومتابعة تطورات الأحداث، ولكن بكل تأكيد أن بديل إعادة ترشيح أو انتخابات بايدن أو ترامب لمقعد الرئاسة الأمريكية، يعني إفلاس بشري أمريكي، وهذا أمر واقعيا غير صحيحة بفضل ثروتها البشرية وتعداد سكانها الهائل؟ أم أن هناك قوى تأثير وضغط أمريكية وغير أمريكية من مصلحتها استمرار هذه الثنائية بايدن وترامب؟ وهذا سيقود حتما إلى خفوت في الدور الأمريكي عالميا، كما هو الحال الآن، وهل سيقود هذا كما قال خفوت وتدهور والغيات التدريجي للدور الأمريكي في مختلف قضايا النظام العالمي سياسيا واقتصاديا، خاصة وأنه لم تعد بقية دول العالم تتعامل مع واشنطن كما كانت صورتها الذهنية في الماضي، القطب الأوحد المسيطرة والنافذ القرار عالميا.