روز غطاس تكتب: الـخـنــــزيـــر
تذكرت قصة الخنازير الثلاثة وبنائهم ثلاثة منازل، الأول من القش والثاني من الخشب والثالث من الطوب الأحمر الصلب، وكيف هاجمهم الثعلب المكار لكن الذي نجا فقط هو من بني المنزل القوي الحجارة مقيماً أساساته علي الصخر.
وكم يحب الأطفال شكل ذلك الخنزير الصغير الوردي اللون وبخاصة عندما يتحدث اليهم بأفلام الكارتون. لكننا كثيراً ما نصف أسلوب حياة بعض الأفراد كالخنازير يسكنون في زريبة، وذلك لعدم حبهم للنظافة أو قدرتهم على التفكير الراقي أو النظام والترتيب أو التدبير أو مساعدة الغير. فحياتهم تتسم بالهرجلة وإشباع الشهوات ليس إلا والنظر فقط تحت أقدامهم، فالخنزير صعب عليه ان ينظر لأعلي. فهو من الحيوانات المظلومة، فإنني اتفق معك انه يحب التمرغ في الوحل والطين ويتغذى من القمامة والنفايات، ومنظره للبعض قبيح إلا انه مفيد حيث يعمل على تنظيف البيئة من بقايا الأطعمة وبالتالي لن تجد الفئران أو الذباب والحشرات الضارة فرصة للتكاثر أو نشر الأوبئة.
يوجد منه نوعين: البري الشرس والمنزلي المستأنس. ان لحمه محرم عند بعض الشعوب واعتباره نجس. كثير من الأساطير تعتبره رمزاً للشجاعة والإقدام، وأساطير أخري تنظر اليه كرمز للكراهية والبغضة والنجاسة والغرق في الشهوات والملذات.
أما في أوروبا كانت راسه رمزاً للكرم والضيافة حيث أنه كان الطبق المفضل علي أفخم الموائد وبخاصة في الاحتفالات الخاصة للملوك والنبلاء. أما اذا رسم علي درع محارب فانه رمزاً لان صاحب هذا الدرع صياداً ماهراً شرس جرئ لان الخنزير البري شرس في الدفاع عن نفسه لذلك كان اصطياده صعب لسمك جلده، فاصبح مباريات اصطياده من الرياضات المفضلة.
وفي المسيحية هو رمز للشر والشهوة والفساد فقد شبه الكتاب المقدس المرأة الجميلة عديمة العقل كمن ثبت حلق من الذهب في انف الخنزير (أمثال 11: 22 ). فأنف الخنزير يستخدمه في نبش القمامة والأرض بحثاً عن الديدان التي يتغذى عليها، لذلك فانفه صَلب ذو جلد سميك غليظ لذلك ليست من الحكمة تزيينه بالذهب.
وفي سفر أشعياء 65 و66 يتحدث الرب عن هؤلاء البشر الذين كانوا يتعمدون إهانته وإغاظته بأعمالهم ومنها انهم يأكلون لحمه أو يصعدون دمه كتقدمة. كذلك يصف بطرس الرسول أولئك الذين يرجعون الي الخطية بعدما عاشوا لفترة مع الرب بأنهم مثل خنزير يرجع لمراغة الحماة بعد تطهيرهم (2 بطرس 2: 22).
وهنا فقط تذكرت قصة الابن الضال أو الشاطر عندما قال لأبوه:" أعطني ما يخصني من الميراث واتركني لأرحل". وفعلاً رحل وبدد كل ماله فلم يعد يمتلك أي شيء، وعمل في حظيرة خنازير وكان يشتهي أن يملأ بطنه من اكل الخنازير التي يرعاها. بعد العز والغني انحدر به الأمر ووصل الي انه لم يجد القمامة والقاذورات ليأكل منها حيث كانت الخنازير في مرتبة أفضل منه (لوقا 15: 11 – 32).
هكذا كل من يرفض الرب الاله ويبعد عنه، تحدره الخطية وتنجسه فلا يجد حتى اكل الخنازير ليشبع به جوعه. لكن القصة لم تنتهي عند ذلك فالأب كان واقفاً منتظراً رجوع ابنه الشارد التائه الضال الذي حسب نفسه شاطر وذكي لأنه استلم ميراثه قبل وفاة أبوه.
قلب الأب الحقيقي المحب لا تهون عليه خلفته أن تُهان، فهو مازال منتظراً ماداً يديه للمصالحة وفاتحاً حضنه للراحة ومعداً الوليمة العظيمة هاتفاً قائلاً:" تعالوا افرحوا معي لان ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد". الرب الاله الحقيقي مثل هذا الأب الأرضي المحب بل أكثر منه، فالرب يسوع المسيح يقول:" وان كنتم وانتم أشرار تقدرون ان تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبيكم الذي في السموات".