أسئلة وأجوبة عن ما يحدث في سوريا؟ ما شفناش م الجولاني حاجة وحشة! إسرائيل وتركيا: إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد ... القديم؟ الخوف والحياة احذروا الجولاني الــــ”كيوت”... التاريخ يعيد نفسه! ثقيلة هي ثياب الحملان! ... حلقة ١: مكالمة هاتفية!! نحنُ.. والفِكرُ الجمعي الأفقي وبدأت عملية ”السوط الجارف”‎ روح الروح!! كاتدرائية نوتردام تستعيد بريقها بعد 5 سنوات من الحريق للمرة الأولى.. بابا الفاتيكان يقود سيارة كهربائية بلا انبعاثات اختفاء فيروسات قاتلة قد تكون أكثر فتكاً من كورونا

قرية ”الفواخر” هل تكون الأخيرة؟

تقارير – وكالات

فجرت أزمة “قرية الفواخر”-التي تقع غربي مركز المنيا- قضية الاحتقان الطائفي، بعد أن تراجعت نسبيًا عن ذاكرة المحافظة لفترة ليست بالقصيرة، منذ أحداث “قرية الكرم” عام 2016، على خلفية شائعة علاقة عاطفية.

وتتنوع أسباب الأحداث الطائفية في محافظة المنيا- التي تتصدر قائمة المحافظات الأكثر توترًا- ما بين شائعات عاطفية، وبناء كنائس، ومشادات عائلية، لكنها تتجدد على أرضية الإهمال الحكومي، وغرق القرى في ثلاثية “الجهل، والبطالة، والأمية”- حسب تصريحات سابقة لأسقف المنيا الأنبا مكاريوس- على خلفية أحداث “قرية الكرم” التي وقعت عام 2016.

وبدأت أحداث قرية “الفواخر” ذات الأغلبية المسلمة، والمقدرة بنحو 20 ألف نسمة، السبت قبل الماضي، عقب استدعاء عدد من الأقباط، وسؤالهم عن وجود كنيسة بالقرية، أو شروعهم في بناء كنيسة جديدة، وهو ما قوبل بالنفي- حسب تصريحات متلفزة لأسقف المنيا الأنبا مكاريوس.

وتضم القرية نحو 40 عائلة مسيحية، وتبعد نحو ساعة عن مركز المنيا، كما تصعب جغرافيتها من وصول سهل إليها، وتحيطها 4 قرى جميعهم أيضًا بلا كنائس.

لهذه الخصوصية، على حد قول أسقف المنيا، يذهب كاهن لآداء الصلوات بأحد المنازل، شأن عديد من القرى التي بلا كنائس، ويعاني ساكنوها من مشقة التنقل.

ويرجع تصاعد الأحداث على نحو أدى إلى إلقاء زجاجات نارية باتجاه منازل 3 أسر مسيحية بالقرية، إلى تداول شائعة بناء كنيسة، في أعقاب تعيين خفراء على المنزل الذي يصلي به الكاهن.

يقول أسقف المنيا، والذي أشار في تدوينة له إلى توقع أحداث متصاعدة بالقرية،: إن القصة بدأت فجر السبت 20 أبريل الماضي، بعد تدوينات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي، منذ وضع المنزل المشار إليه تحت الحراسة، بعدها، وفي الثالثة فجرًا ألقى عدد من المتشددين بالقرية زجاجات حارقة على منازل 3 مواطنين مسيحيين، دون وقوع خسائر، لكن ثمة منازل أخرى تعرضت لقصف بالزجاجات، ما أدى اشتعال نيران داخلها دون وقوع ضحايا، وتلفيات، غير أنها سببت حالة من الذعر.

وتتصدر محافظة المنيا قائمة المناطق الأكثر احتقانًا طائفيًا، وفق إحصائيات عدد الأحداث التي وقعت بقراها خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويشير باحثون إلى أن المنيا كمحافظة تجمع بين متناقضين كونها تضم عددًا كبيرًا من كبار رجال الأعمال، بينما يغطي نجوعها، وقراها فقرًا مدقعًا، وتصدر نسبة كبيرة من العمالة المهاجرة داخليًا، وخارجيًا، ويدلل على ذلك واقعة استشهاد عدد من أقباط المنيا في ليبيا خلال عام 2015 على يد متطرفي تنظيم داعش الإرهابي.

وفي صباح الإثنين 22 أبريل الماضي- وفق رواية “الأنبا مكاريوس” وضع أحد الأقباط كاميرات مراقبة على منزله خوفًا على ممتلكاته، وأهله، غير أن جهات مختصة ألزمته برفعها.

وبلغت الأحداث ذروتها يوم الثلاثاء 23 أبريل الماضي- مع استعدادات الكنائس للاحتفال بعيد القيامة المجيد المزمع إقامتها في الرابع من مايو المقبل-، حيث تجمهر نحو 500 فرد من “قرية الفواخر”، واعتدوا على منازل عدد من مسيحيي القرية.

ويضيف الأنبا مكاريوس- الأسقف الرافض علانية لجلسات الصلح العرفية-” أن الاعتداء أسفر عن حرق، ونهب عدد من المنازل، بجانب ترويع الأطفال، والسيدات”.

ويرجع المفكر القبطي كمال زاخر- مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط- أسباب الأحداث التي شهدتها قرية “الفواخر” بمحافظة المنيا إلى محاولات أعداء ثورة 30 يونيو لعرقلة “دولة المواطنة”، لافتًا إلى أنها أحداث قد تبدو من ظاهرها طائفية، لكنها –على حد قوله- تأتي بنكهة سياسية، ويديرها من يريدون خدمة أهدافهم.

وفي السياق ذاته، نشبت مشادات طائفية بـ”قرية الكوم الأحمر”- إحدى قرى مركز المنيا”، على خلفية بناء كنيسة إنجيلية بالقرية، رغم حصولها على تصريح بناء رسمي.

ورغم إقرار الدولة لقانون رقم 80 لسنة 2016 ” تنظيم بناء الكنائس“، والذي تنص مادته الثالثة ( يتقدم الممثل القانونى للطائفة إلى المحافظ المختص بطلب للحصول على الموافقات المتطلبة قانونا للقيام بأى من الأعمال المطلوب الترخيص بها، وعلى الجهة الإدارية إعطاء مقدم الطلب ما يفيد استلام طلبه يوم تقديمه”، غير أن الأحداث الطائفية الناشئة عن “بناء الكنائس” بقرى المنيا لم تتوقف بعد.

يستشهد الأسقف الذي أمضى ما يزيد عن 15 عامًا على كرسي مطرانية المنيا بتصريحات “شيخ الأزهر” فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب التي أعقبت حادث “قرية الفواخر” قائلًا: لقد أسعدتنا تصريحات الإمام الأكبر التي أكد خلالها على عدم وجود ما يمنع بناء الكنائس”، لافتًا إلى أن القرآن الكريم، وأحاديث السنة النبوية الشريفة لم يتضمنا إطلاقًا ما يمنع.

عزى ما يقع من أحداث طائفية بالقرى إلى ميراث العادات، والتقاليد، التي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية.

وسبق أن خاض الأنبا مكاريوس قبل نحو 6 سنوات (في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2017) معركة إغلاق 4 كنائس بقرى مركزي المنيا، وأبوقرقاص ( كنيسة العذراء، كنيسة الأنبا موسى، كنيسة أبي سيفين، وكنيسة مارجرجس)، إلى أن فُتحت الكنائس المغلقة.

ويعتبر د.سامح فوزي – الباحث في شؤون المواطنة أن أحداث محافظة المنيا تستهدف في المقام الأول الدولة المصرية، نظير حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي- رئيس الجمهورية على تحقيق “المواطنة”، وترسيخ المساواة.

ويضيف “كراهية الأقباط تعد أحد الأبعاد، لكن الهدف الأكبر هو إحراج مصر، في غضون أسابيع قليلة من بداية الولاية الجديدة للرئيس”.

وأصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي- رئيس الجمهورية- قرارًا رقم 602 لسنة 2018 بتشكيل “اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية” برئاسة مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، وعضوية ممثل عن كل من هيئة عمليات القوات المسلحة، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والأمن الوطني.

بموجب القرار فإنه يحق للجنة أن تدعو لحضور اجتماعاتها من تراه من الوزراء، أو ممثليهم، وممثلي الجهات المعنية، لدى النظر في الموضوعات ذات الصلة، على أن تتولى اللجنة مواجهة الأحداث الطائفية، ووضع استراتيجية عامة لمنعها، ومواجهتها، ومتابعة تنفيذها، وآليات التعامل معها حال وقوعها.

ودعت اللجنة خلال اجتماعها عام 2019 محافظ المنيا، ومساعد وزير الخارجية لشؤون حقوق الإنسان.

ويتسق ذلك مع تصريح “الأنبا مكاريوس” في أعقاب سيطرة الأجهزة الأمنية على الأوضاع بـ”قرية الفواخر”، والذي تضمن أن أسباب الفتنة ستتكشف قريبًا، متشككًا في أن تكون صلاة الأقباط وحدها هي المحرك للهجوم على الأقباط.

ويقول الأسقف – صاحب كتاب “رحيق الاستشهاد” الذي يتضمن تأريخًا للاعتداءات على الكنائس بعد 14 أغسطس 2013-: إن أقباط قرية “الفواخر” بسطاء، ولم يطلبوا سوى الصلاة، وقد نفى بعضهم خلال تحقيق رسمي “بناء كنيسة” بالقرية.

ورسم الأنبا مكاريوس أسقفًا بيد البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث عام 2004، وعمل لفترة سكرتيرًا خاصًا للبطريرك قبيل رسامته عام 2003، وسيم قسًا في 30 يونيو 1988، وقمصًا في التاسع من إبريل عام 2001، واشتهر بكتابة القصص الأدبية المسيحية باسم “الراهب كيرلس البراموسي”- نسبة إلى دير البراموس أحد أديرة وادي النطرون.

ويشير كمال زاخر – مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط- إلى أن الحلول سبق أن طرحها مفكرون، وكتاب خلال العقود الماضية، على رأسها قضيتي التعليم، والثقافة، ومن ورائهما الإعلام، وتلك آليات تشكل الوعي الجمعي لدى المصريين – على حد قوله-.

ويرى “مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط أن الفن، والخطاب الديني السائد، بحاجة إلى مراجعة، لضبط بوصلة تأسيس الدولة المدنية.

يأتي ذلك مقاربًا لطرح الأنبا مكاريوس –والذي يرى أن الدولة تسعى لتمكين الأقباط من العبادة-، معرجًا على أن الحل الأمني لا يكفي، وداعيًا إلى إعادة النظر في مناهج التعليم، والقرى التي تقع على أطراف المحافظة، وتعزيز دور الأسرة في التربية، وتنمية روح التآخي، ومراجعة أصحاب الخطابات المسمومة- على حد وصفه-.

وبينما يرى “مؤسس جبهة العلمانيين الأقباط” أن الحلول ليست سابقة التجهيز، وتحتاج إلى دراسة متعمقة لظروف الإقليم تبدأ بالإدارة المحلية التي تحتاج لقيادات تملك رؤية مجتمعية، وتنموية، وتنويرية.

يشير الباحث د.سامح فوزي إلى أن القضية ليست قرية “الفواخر”، بقدر ما هي أكثر تعقيدًا نظير رغبات الإطاحة بترسيخ “المواطنة”.

وتعد أشهر الأحداث الطائفية في المنيا، والتي وقعت على خلفية “بناء كنائس”، اشتباكات قرية “عرب أبو سمن” –إحدى قرى مركز أبو قرقاص، وقريتي “الجلاء، وميانة الوقف”، إلى جانب أحداث قرية “طهنا الجبل”.

وتعرضت نحو 19 كنيسة للتدمير، والحرق على خلفية أحداث فض اعتصامي رابعة، والنهضة عام 2013.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أدانت تعامل الجهات المسؤولة مع الاعتداءات الطائفية التي شهدتها قريتا الفواخر والكوم الأحمر بمحافظة المنيا، على خلفية محاولة مسيحيين التمتع بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية. وتؤكد أن الأجهزة الأمنية فشلت في التدخل لمنع الاعتداءات قبل وقوعها، على الرغم من علمها المسبق بوجود توترات وعمليات تحريض طائفي متصاعدة، واكتفت بالتدخل بعدها وألقت القبض على عدد من المواطنين.

وتؤكد المبادرة المصرية في بيان لها أن هذه الاعتداءات ليست “حوادث فردية” أو استثنائية أو وليدة الصدفة، موضحة أنه منذ سبتمبر الماضي وقعت ثلاث حوادث تخص بناء الكنائس في قرى المنيا، وبدلًا من أن تتدخل مؤسسات الدولة الرسمية لحماية حق مواطنيها في ممارسة الشعائر الدينية وجبر الضرر الواقع عليهم، أغلقت ومنعت بناء الكنائس. وسبق أن حذرت المبادرة من تداعيات وخطورة هذا النهج، عقب أحداث قرى الخياري، ومنشأة زعفرانة، والعزيب.