تساؤلات حول قضية الهوية في مصر؟
اتحاد القبائل العربية... سهم في قلب الوطن.. أم درعا لها؟! (2)
تحقيق: إيهاب أدونيا
أثار تأسيس "اتحاد القبائل العربية في مصر" في مطلع مايو الماضي مخاوف واسعة في الأوساط السياسية المصرية، من تحوله إلى كيان موازٍ للدولة، خاصةً مع امتلاك بعض القبائل المكونة له للسلاح.
الاتحاد يخاطب كيانات دولية متخطيا دور الدولة المصرية
اصدر الاتحاد عددًا من البيانات عَبر صفحة تحمل اسمه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أثارت جدلًا واسعًا حول ماهية الاتحاد الذي بات يخاطب الكيانات الدولية متجاوزًا دور الدولة الرسمي، إذ أطلق بيانًا يُحذّر فيه من تداعيات إقدام الجيش الإسرائيلي على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية، مطالبًا بتدخل مجلس الأمن الدولي لمنع العدوان الإسرائيلي، فيما وجّه دعوة للجامعة العربية لعقد جلسة عاجلة، لبحث تداعيات الأحداث المتصاعدة.
هل يهدد الاتحاد وحدة النسيج الوطني... وهل العروبة تعلو على المواطنة؟
أدت طريقة الإعلان عن اتحاد القبائل العربية إلى إثارة الكثير من اللغط، بدءا من اختيار الرئيس السيسي رئيسيا شرفيا له، وهو في الوقت ذاته رئيس لكل المصريين، وحتى قصره على صفة العروبة في مسمّاه، بينما هناك أكثر من عشرة ملايين مسيحي في مصر يعتزون بانتمائهم القبطي، ما يوجد تفرقة متعسفة في وقت ترفع فيه الدولة شعار المواطنة للجميع.
علاوة على أن كل المصريين، ما دون المسيحيين، يظنون أن أصولهم عربية وإن لم تكن كذلك فعلا، فالالتصاق بالعرب نوع من الفخر، ويحمل إيحاءات بالجذور الأصيلة، وتمسحا ضمنيا بنسل النبي محمد، وهو ما يمكن أن يظهر على السطح الفترة المقبلة إذا تم النفخ في اتحاد القبائل العربية وتصويره من قبل البعض على أنه وجه آخر للدولة.
هل تتكرر سيناريوهات تقسيم السودان في مصر
يرى بعض الخبراء السياسيين إن تشبيه وجود اتحاد القبائل العربية في مصر رسميا الأمر بما يجري في دول أخرى مليئة بصراعات يحمل مغالطتين، الأولى: أن الأجهزة الأمنية في مصر قوية بما يكفي ونجحت في توفير درجة عالية من الاستقرار بعد أن خاضت معارك ضارية السنوات الماضية، ما يشير إلى عدم حاجتها إلى قوة جديدة أو رافعة موازية، وعلى العكس القبائل هي التي تحتاج إلى أجهزة الأمن، فغير مسموح بحمل السلاح بلا موافقتها.
والمغالطة الثانية: التعامل مع القبائل العربية على أن لها طموحات منطقية، فمعظم من ينتمون إلى هذه القبائل سكنوا مدنا عدة، في مقدمتها القاهرة، وقذفوا خلفهم نعراتهم وتخلوا عن صفات البداوة الملتصقة بالقبيلة واكتسبوا صفات المدن الجديدة، ولم تعد الصورة الذهنية للقبيلة في مصر تلك الكامنة في العصبية والاحتماء بها.
"القبائل العربية في الصعيد وغرب مصر": الاتحاد باطل ولا يمثلنا
أصدرت جماعة تطلق على نفسها "مشايخ القبائل العربية في الصعيد والغرب" بياناً هاجمت فيه تأسيس ما يسمّى "اتحاد القبائل العربية" الذي أعلن رسمياً قبل أيام برئاسة إبراهيم العرجاني. وإن الاتحاد الوهمي للقبائل العربية، باطل بعرف العرب ولا يستند إلى شرعية".
وأوضح البيان أن ذلك لعدة أسباب، وهي أن "شيخ القبائل العربية أو أي اتحاد عربي تحت اسم القبائل العربية في مصر، لا بد أن يكون من النسل الهاشمي الشريف حسب عرف القبائل. وأن أحفاد شيخ العرب همّام أمير الصعيد وبرقة وشمال السودان، هم المكلفون بهذا الأمر مع إخوانهم مشايخ القبائل في الصعيد والغرب، لأن أنسابهم وأصولهم ثابتة وتعود للنسل الهاشمي ". وأضاف أنه "لم يذكر التاريخ أن لقبائل سيناء مشيخة على القبائل العربية في الصعيد والغرب، وذلك لأسباب نسبية حيث إن نسبة 60% إلى 65% من أهالي سيناء لا علاقة لهم بالعرب ولا القبائل العربية"، وذلك بحسب الجماعة القبلية غير المعروفة بشكل واسع سابقا، والتي يعدّ إصدارها بيانها مظهرا جديدا من تفشي التكوينات الاجتماعية المضادة لمنطق الدولة الحديثة.
يوضح هذا البيان وكذلك إنشاء الاتحاد المسار الخطر والضار بكيان الدولة والمجتمع المصري من انتشار هذه النزاعات القبلية فاتحا مسام الدولة المصرية للفرقة بدلا من الوحدة.
عماد جاد: اتحاد القبائل يدمر الهوية المصرية.. وخطرا يهدد وحدة مصر
من جانبه قال المفكر السياسي عماد جاد أن تشكيل ما يسمى اتحاد القبائل العربية يمثل خطوة خطيرة للغاية، لأنه يقوم على أساس عرقي، يضم كل ذوي الأصل العربي الذين وفدوا إلى مصر بعد ٦٤٢ م، وهو امر ينبغي أن يواجه بالرفض من قبل المصريين الأصلاء، الأقباط من مسلمين ومسيحيين يتمسكون بهويتهم المصرية
وأضاف جاد: أن الصمت إزاء مثل هذه التشكيلات العنصرية أو العرقية يساعد في العملية المنظمة الرامية إلى تدمير الهوية المصرية التي مثلت فجر ضمير العالم ويجري تدريس حضارتها في كبرى جامعات العالم (Egyptology) ورغم ذلك هناك من يفاخر بأصوله غير المصرية ويتصدر المشهد فيما يسمى الجمهورية الجديدة.
مشيرا إلى أن الأخطر من كل ذلك إعلان اتحاد القبائل اختيار الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا شرفيا للاتحاد، أي رئيسا شرفيا لجماعة عرقية، بينما هو رئيس مصر وكافة المصريين، هذا بينما ينبغي أن تأتي الهوية المصرية أولا ثم تتبعها الهويات الفرعية. ما بحدث يمثل خطرا شديدا على وحدة مصر وتماسكها ويفتح الطريق أمام تشكيل كيانات فرعية تتقدم في نفوس أبناءها على الهوية المصرية وهنا يأتي الخطر الأعظم.
عمار على حسن: الاتحاد خطر على الدولة... يمتلك النفوذ والمال ويقع على الحدود
ورأى المحلل السياسي عمار علي حسن، أن ما تفعله مؤسسات الدولة المصرية من دعم وإنشاء اتحاد القبائل العربية "ينسجم مع نهج تاريخي لها منذ مئات السنين، إذ دأبت على استمالة القبائل العربية رغبة في ضمان استقرار مساحات شاسعة من الصحاري المصرية، في ظل صعوبة تأمينها بالقوة لنظامية".
وبحسب حسن فإن "الدولة المصرية وللمرة الأولى عملت على تجميع البدو في اتحاد واحد، حتى لو اقتصر الأمر على كونه جمعية أهلية لا علاقة لها بالسياسة، ففي هذا الصدد يبدو الأمر شديد الخطورة، لا سيما أن اتحاد القبائل العربية يمتلك نفوذاً اقتصادياً هائلاً وله أرض يقف عليها وسلطة قد تجعله يتبنى مطالب ونزوعاً نحو الاستقلال أو الابتعاد عن الدولة المصرية".
وتابع أن "الخطورة تزيد بوجود هذا الاتحاد على الحدود، فهو يستطيع التواصل مع بلدان أخرى، وبالقطع سينحو قريباً إلى السياسة سواء الموالية للسلطة كما نرى حالياً، أو ضدها في لحظة ما أو مرحلة ما بعد هذه السلطة".
وأكد علي حسن أن "البلاد الآن أمام مشكلة في غاية الخطورة، خصوصاً أن السلطة المصرية تبدو شديدة البخل فيما يتعلق بالشفافية وتقديم المعلومات للرأي العام"، لافتاً إلى أن "ثمة درجة عالية من التعتيم على الصحافة والبرلمان المصري حالياً لا يسائل أحداً، والأغلبية الساحقة من المصريين لا تعرف ما طبيعة اتحاد القبائل العربية ولا أسباب تشكيله، وما إذا كان تجمعاً سياسياً أو جمعية أهلية خيرية، وهل فعلاً يساعد الجيش في حربه على الإرهاب، كما قال مصطفى بكري، أم أنها زلة لسان منه؟".
الخطاب السياسي لم يفرق بين المصريين بين العصور
الخطاب السياسي لم يفرق بين المصريين على مر العصور في مصر الحديثة، فعبد الناصر يخاطبهم، باعتبارهم مواطنين، والسادات يخاطبهم باعتبارهم أبناءه والرئيس السيسي يخاطبهم باعتبارهم مصريين، ولم يعرف خطاب الدولة في مصر الحديثة التوجه إلى المصريين، باعتبارهم مسلمين أو مسيحيين، بحراويين أو صعايدة، بدوا أو حضرا.
بل لقد رفض المسيحيون في مصر تحفظات بريطانيا دولة الاحتلال على استقلال مصر؛ لتبرير استمرار وجودها العسكري فيها بدعوى أنه لحماية الأقليات، وتقصد بذلك المسيحيين، الذين شجبوا اعتبارهم أقلية، وكما ذكر مكرم عبيد الزعيم الوفدي وقتها، أن الكل في مصر مصريون، والفارق بينهم أن المسلمين يتوجهون إلى المساجد، بينما يتوجه الأقباط إلى الكنائس.
لحسن الحظ لم تعرف مصر في تاريخها القديم أو الحديث نزاعا حول الهوية، يصل إلى الحرب الأهلية، فمصر تتميز بالتجانس الكبير بين سكانها الذين يتحدثون لغة واحدة مع احتفاظ قلة منهم بلغات أصلية مثل النوبيين أو البشاريين، والروابط الثقافية قوية بينهم من عادات مشتركة، تولدت عن معيشة مشتركة، منذ ما يقرب من خمسة آلاف سنة، ولم تظهر في تاريخ مصر الطويل محاولات جادة للانفصال، وتشكيل كيان سياسي مستقل
على الجانب الآخر يرى البعض أن النظام القبلي سابق لنشوء الدولة الوطنية، استمراره ببعض المناطق يرجع لقصور التنمية والتحديث، مما يهدد سلطة الدولة إبان الأزمات أو حال ضعفها، ويفسر ذلك حرص القبائل على التسلح.. وللحق فقد تأخرت تنمية سيناء نتيجة عدوان 1956 ثم احتلال 1967 فحرب أكتوبر 1973 ثم الحرب الطويلة ضد الإرهاب، لكنها التزام على الدولة، اعتمدت له 363 مليار جنيه خلال السنوات الخمس المقبلة.. لم تكن مسئولية حسن راتب، ولن تكون مشروع العرجاني، سيناء يقطنها 700 ألف نسمة بما فيهم القبائل، الخطة تستهدف توطين 3 مليون مصري من الوادي، كحائط صد ضد أطماع الخارج والداخل، ولا موضع للتمييز بين أبناء القبائل وأبناء الوادي.