وجه يسوع
أن وجه الإنسان ما هو إلا المرأة التي تعكس ما بداخله من أفكار وهموم وأفراح وأحزان وغضب وما الي ذلك من التعبيرات التي من خلالها نتوسم الخطوة المقبلة للفرد.
كثيراً ما ردد أبي هذه العبارة على مسامعنا عند دخوله البيت بعد يوم عمل طويل مرهق شاق، مزدحم بالمشغوليات والمشاحنات والمشاكل قائلاً: ابتسامتكم والنظر في وجوهكم الجميلة البريئة يجعلني انسي كل ما مررت به اليوم ويغسل كل همومي وضيقي. كذلك كانت جدتي تقول لنا: أنتم عيوني التي انظر بها العالم الخارجي. وذلك بعد رجوعنا مثلاً من رحلة ما لنقص عليها ما رأيناه وشاهدناه، والأحداث التي مررنا بها، وما أعجبنا وما لم يعجبنا.
وكثيراً ما قلت لطلابي: عندما أري عيونكم تلمع والابتسامة ترتسم على شفاهكم أكون متأكدة أن المعلومة التي شرحتها وصلت لأذهانكم وعقولكم. وبالمثل وجه يسوع الحلو المريح الذي في غمرة متاعبنا وكثرة همومنا وأحزاننا، عندما ننظر اليه نستريح ونعلم إرادته من جهتنا ومشيئته لحياتنا.
لذلك قال له موسي: سر بوجهك أمامي فامتاز عن كل بني البشر. فمكتوب أن كل من نظروا اليه استناروا ووجوههم لم تخجل (مزمور 34: 5). وهذا يذكرني بموسى أيضاً عندما كان يجلس في محضر الرب الاله كان ينزل للشعب ووجهه يلمع كالشمس.
ففي ذات يوم قال موسي للرب: أرني وجهك. فكان رد الرب: يا موسي لا يرى أحد وجهي ويعيش. لكن الرب أراه جوده ورحمته فعاش موسي في محضر الرب حتى يوم مماته. ويصف كاتب المزامير الرب الاله بانه أبرع جمال من كل بني البشر. وكذلك وجه الرب يسوع علي جبل التجلي صار يلمع كالشمس (متى 17: 1 – 13) لأنه هو شمس البر والشفاء بأجنحتها. وفي بستان جثماني صار وجهه مشبع بقطرات عرق كالدم (لوقا 22: 44).
والآمر مختلف على الصليب حيث كان لا منظر له ولا جمال فننظر اليه أو نشتهيه من إكليل الشوك والجراحات واللطمات التي وجهت له (اشعياء 53). لكن كاتب المزامير صرخ إليه قائلاً: لا تحجب وجهك عني، أشرق بنور وجهك على ولا تطرحني خارج محضرك، لأنك يا رب عندما تحجب وجهك ترتاع وتخاف كل مخلوقات الأرض (مزمور 104: 29)، لأنه في إشراقة وجهك تشعر بالأمان والرحمة والمحبة والسلام والعطاء.
وصرخ كاتب المزمور: أين أذهب من روحك يا رب ومن وجهك أين أهرب. لكن هناك من سيقول في يوم ما: أبعد يا رب وجهك عني، يا جبال غطيني من وجه الجالس على العرش ومن الخروف المذبوح لأنه عظيم غضبه ومخوف هو الوقوع بين يديه. ووجه يسوع كان مصدر لكثير من التصاوير والرسوم المعبرة الرائعة على مر العصور.
لذلك رسم المصورون وجه الرب يسوع المسيح بصور عديدة ولكن اجتمعوا على نظرات البساطة والحنان والعطف والوداعة والحب الغامر والابتسامة المرحبة لكل من ينظر له. ومن العجيب أن بعض الرسامين من الصين رسموه صيني، والأسود رسمه أسود وهناك من رسمه أشقر وعينيه زرقاوان، وهذا خلاف الحقيقة لآن يسوع كان يهودياً من الناصرة بالجليل. أي ملامحه شرقية أوسطية.
فعند رسم راس المسيح هذا تأكيدا بانه رأس الكنيسة. وعند التركيز على ملامح وجهه يكون هذا تأكيدا على معروفه ونظرته إلى سؤلات طالبيه وسماعه لطلباتهم. (رسالة بطرس الأولي 3: 12). وكثيرا ما كتب أصحاب الأناجيل الأربعة تعبيرات تصف وجه يسوع مثلا: فنظر يسوع اليه وتحنن. بكي يسوع. تهلل فرحا..... وما إلى ذلك من أوصاف تعبر عن انعكاس حالته النفسية وقت ذاك. عزيزي القارئ هل تطلب وجه يسوع أم تخاف أن ترفع رأسك لتشاهد نظراته الموجهة لك؟ هل تشهد ككاتب المزمور قائلاً: متي استيقظت أشبع من شبهك لا تحجب وجهك يا رب عني.