خواطر مسافر إلى النور (٢١٥)
” التدبير الإلهي”... قصة حياتي مع الله (٣)
نفخ الله روحه القدوس في أنف آدم، فتسلَّم الصلاح الذي فوق طبيعته لكي إذا ما قَبِلَه وثبت فيه يدوم في قداسة الله إلى الأبد. هذه هي الحياة الأبدية والخلود. فحينما خلق الله آدم، لم يكن في أعضاء آدم ناموس خطية .ولم يكن الجسد ضعيفاً بسبب فساد في طبيعته .بل كان الجسد متجهاً نحو الله في انسجام كامل مع إرادة آدم .
لأن الذهن لم يكن مجبولاً على شهوات تشتت قوي آدم بإنشغالات نحو معصية وخطية.
هذا هو بعضٌ مما يتضمنه قول الكتاب أن ”الله خلق الإنسان علي صورته ومثاله “.
والأيمان المسيحي يشهد بأن :
- " أبن الله" هو صورة ” الله الآب“. و”الروح القدس“ هو صورة ” أبن الله“ .
- الله خلق الإنسان علي صورة الله، أي إن الإنسان مخلوق علي صورة المسيح ابن الله. لأن المسيح هو ”صورة الله ورسم جوهره“ (عب ٣:١).
- الله واحد في ثالوث، آب وأبن وروح قدس إله واحد، لذلك فإن صورة الله واحدة.
- وتأكيداً لهذا الإيمان أن الله واحد في ثالوث، فقد تكلم الله في سفر التكوين بصيغة الجمع:” نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا “،
- وكذلك الرب يسوع المسيح في كتاب العهد الجديد أستعلن لنا أن طبيعة الله واحد في ثالوث بقوله: ” ليكون الجميع واحداً كما نحن واحد (الآب والأبن والروح القدس)“.
المسيح ” ابن الله“ في بنوته للآب لا يشترك فيها غيره . هو ”أبن الله الوحيد الجنس“ الذي مِن طبيعة الآب والروح القدس . هو المسيح شعاع نور الآب .. واحد فيه ومنه ومعه.. من جنسه وطبيعته ... لا سابق فيه أو لاحق:
” نور من نور وإله حق من إله حق. واحد مع الآب في الجوهر. الذي به كان كل شئ“ ( قانون الإيمان المسيحي).
آدم - وبالتالي الإنسان- هو مخلوق إلهي: خلقه الله الآب على صورة أبنه الوحيد وملأه بروحه القدوس.
فكان آدم في حالة رؤيا دائمة وشخوص في الله من خلال الله الواحد الثالوث. فإن الآب خالقه علي صورة المسيح ” كلمة الله “ وفكر الآب ، حيث الفكر هو ابن العقل. والروح القدس سكن آدم. وبدون الروح القدس لا يعرف أحد الله ”هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله.“ ( ١كو١١:٢)
فحسد الشيطانُ آدمَ و تسلل إلي وجدانه انسلال الأفعي ” الحية القديمة “ .
وبالغواية أستطاع الشيطان أن يصرف آدم عن حالة الرؤيا الدائمة والشخوص في الله الواحد الثالوث. فلم يعد الله هو الألف والياء لرؤيا آدم بعد. بل تحوَّل فكر عقله إلي غير ” كلمة الله اللوغوس“ . ولم تعد شجرة المعرفة بالنسبة لآدم للخير فقط بل وللشر أيضاً.
تشوهت طبيعة آدم عندما دخلها معرفة الشر وفكره. وتكوَّن في آدم انتماء آخر يتعارض مع انتماء طبيعته الأولي. هكذا دخلت الظلمة كيان الإنسان عقلاً وشعوراً وسلوكاً وتسلطت علي:
-الذهن والعقل ”فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل“ ، وتسلطت علي الشعور ”وأنها بهجة للعيون“ ، و الجسد وأشتهائه ”وأنها شهية للنظر“ .... هنا .. فارق روح الله كيان الإنسان” لايدين روحي في الإنسان إلي الأبد، لزيغانه، هو بشر“ ( تك ٣:١)، لأن الإنسان أمتلأ ” أكل“ من شجرة معرفة الشر.
فتجرَّد الإنسان من النعمة ونفخة الحياة فيه، والتي كانت تُوَحِّد بالحب والعطاء المتبادل بين آدم وحواء وكليهما بالله، وسادت الشهوة ومنهجها الاستهلاكي الذي يقسم ولا يوَّحِد.
وتقوقع الإنسان في ذاته ”يا نفسي كلي وأشربي وأشبعي لأن لك خيرات كثيرة لسنين عديدة“
أخوتي ..إن الشهوة لذة وقتية … تتم من خلال الاستهلاك الخارجي بهدف إشباع فراغ داخلي . أما الحب الحقيقي الذي خلقه الله في الإنسان …فهو لذة تستمر من خلال انسكاب كياني داخلي مِن شخص الحبيب إلي شخص محبوبه. لذلك فالحب يخلق الارتباط لأن الحب شبع. بينما الشهوة تنتهي بالتخلي بسبب شعور الفراغ بعد انقضاء لذة الشهوة .
فانتبه أيها الإنسان!!... إعرف مَن أنت . ولتفتخر بأصل خلقتك، مهما كان حالك الآن، لإن أصلك فيك ولن يزول.
فأنت هو المخلوق الإلهي: خلقك الله الآب علي صورة أبنه الوحيد، و ملأك بروحه القدوس. فكان آدم أبيك في حالة رؤيا دائمة وشخوص في الله من خلال الله الواحد الثالوث :
- حيث الآب هو خالقه
- علي صورة المسيح ” كلمة الله “ . والفكر ابن العقل،
- ونفخ فيه الروح القدس ليسكنه، حيث ” أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله.“
( ١كو١١:٢)
هذه هي خليقتك المجيدة أيها الإنسان أينما كنت وأيّما كنت وحيثما كنت .
ولقد جدد الله خلقتك بعد السقوط، بالمسيح والروح القدس في سر التجسد الإلهي،
لكي تكون خليقتك خالدة أبدية غير قابلة للزوال أو السقوط أبداً .فإن خلقتنا الأولي في آدم الأول قد تجددت في آدم الثاني يسوع المسيح ... لكي نبقي إلي الأبد ، إذ صرنا مخلوقين في المسيح يسوع .هلليلويا والسُبح لله... يُتبَع