موقفه من قضايا الشرق الأوسط ... وكيف ستتأثر القاهرة؟
عودة ترامب إلى البيت الأبيض
تحقيق: إيهاب أدونيا
ارتبطت مصر والولايات المتحدة بعلاقات لم تتأثر بتغير الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إذ تقوم على الشراكة لتحقيق أهداف كلا الطرفين المتبادلة. في حين أن الولايات المتحدة تستحوذ على الدور الريادي في القضايا العالمية والإقليمية، فإن مصر لها دورها المحوري في الشرق الأوسط وأفريقيا.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض: كيف ستتأثر مصر؟
جاء فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلا بتطلعات مصرية لتقوية الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معًا من أجل إحلال سلام إقليمي، وهو ما عبر عنه الرئيس السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع “إكس” بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية. وقال: “نتطلع لأن نصل سويًا لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. البَلدَان لطالما قدما نموذجًا للتعاون ونجحا سويًا في تحقيق المصالح المشتركة”، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم.
ووفقًا لدراسة “العلاقات المصرية مع القوى الكبرى. استمرار التوازن” الصادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية. أوضحت أن الاستراتيجية المصرية تجاه الولايات المتحدة تقوم على حفاظ المصالح الاستراتيجية لكل منهما؛ إذ تسعى مصر إلى الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة، بما في ذلك خطتها الرامية إلى الحفاظ على حقها في تطوير قدراتها العسكرية والاقتصادية التي تمكنها من محاربة الإرهاب. وكذا تريد الولايات المتحدة الحفاظ على التسهيلات التي تحصل عليها بالعبور من قناة السويس للمرور إلى مسارح عملياتها في المنطقة، خاصةً إلي الخليج والمحيط الهندي، إضافة إلى الحرص المشترك على الحفاظ على السلام مع تل أبيب.
ورغم من ذلك، فقد مرت العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بمراحل مختلفة من القوة والفتور حسب الأوضاع بالمنطقة وأيضًا السياسة التي يتم تبنيها من قبل الحكومات والرؤساء.
لقاءات السيسي مع ترامب
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدة مرات خلال فترة رئاسته بين 2017 و2021؛ الأولى كانت في أبريل 2017، كان هذا اللقاء الأول في البيت الأبيض، وناقشا تقوية الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، مع التركيز على التعاون في مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار الاقتصادي في مصر، أما اللقاء الثاني في سبتمبر 2018 جاء خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشدد ترامب على دعمه للأمن والاستقرار في القاهرة، وتم التركيز على قضايا الحرية الدينية، بما في ذلك وضع الأقباط المسيحيين، ثم كان اللقاء الثالث في أبريل 2019 داخل البيت الأبيض، وقتئذٍ أشاد ترامب بالسياسات الاقتصادية والأمنية التي يقودها السيسي، و ناقشا التطورات في الشرق الأوسط وقضايا متعلقة بالأمن الإقليمي.
اتسمت العلاقات المصرية- الأمريكية، خلال فترة حكم ترامب الأولى، بالتقارب الشديد في وجهات النظر بين الجانبين في مجالات كثيرة، من أهمها ما يتعلق بمكافحة الإرهاب في العالم، وحل القضية الفلسطينية، والتأكيد دائمًا أن مصر حليف استراتيجي مهم ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة الأمريكية. وقد كان هذا واضحًا في مواقفهما المتقاربة في تلك القضايا في المحافل الدولية.
اما الاختلاف في سياسات الإدارتين -قد يكون مؤثرًا على المصالح المصرية بشكل جوهري- فيتمثل في موقفهما من المتغير الجديد الضاغط على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، الذي فجرته عملية حماس في 7 أكتوبر العام الماضي، والحرب التي شنتها تل أبيب على غزة، ما أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة السياسة الدولية والإقليمية. فليس أمام السياسة الخارجية المصرية خيار سوى التمسك بتحقيق الاستقلال الاستراتيجي والحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الدولية الفاعلة وتعميقها، والسعي في الوقت ذاته إلى تأكيد نقاط التلاقي في المصالح المصرية والأمريكية بوجه خاص على مختلف الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية.”
العلاقات المصرية الأمريكية تتسم بالقوة
أن العلاقات المصرية الأمريكية تتسم بالقوة على المستوى الرسمي والقضايا الإقليمية بالمنطقة وأيضًا على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، سواء في التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري، لاسيما مع وجود التدريبات المشتركة بين كلا الجيشين، إضافة إلى المساعدات التي يتم تقديمها من الجانب الأمريكي لمصر على إثر اتفاقية كامب ديفيد.
العلاقات المصرية الأمريكية ثابتة، سواء كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، لأن ذلك يشكل نوعًا من الاستمرارية للعلاقات الاستراتيجية والمصالح المشتركة للطرفين، حيث يوجد اتجاه دائم بين الطرفين لدعم تلك العلاقات وإبقائها ذات اتصال حيوي.
عودة المعونة الأمريكية
غيرت الحرب على غزة مجرى الأمور السياسية والاقتصادية أيضًا. إذ سهلت للقاهرة الحصول على مساعدات مالية ضخمة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأعلنت الإدارة الأمريكية الإفراج عن المعونة العسكرية لمصر بالكامل دون قيود أو شروط.
تعتبر المعونة الأمريكية مبلغ ثابت سنويًا تتلقاه مصر من الولايات المتحدة الأمريكية منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جيمي كارتر، تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وتل أبيب، تحولت منذ عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع ثلاثة مليارات دولار للاحتلال الإسرائيلي، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. ويبلغ إجمالي ما حصلت عليه مصر خلال هذه العقود الماضية منذ توقيع اتفاق السلام نحو 80 مليار دولار.
وكثيرًا ما اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية تلك المعونة كأحد أوراق الضغط على مصر، لاسيما مع ربط جزء منها بتطبيق الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان، وعلى ضوء منذ تولي إدارة بايدن الحكم، وضع الكونجرس قيودًا على ربع المعونة الأميركية لمصر، فقد حُسمت في إطار اشتراط تقدّم مصر في حقوق الإنسان. وكانت هذه القضية تُطرح كل عام، ويتم تقليص جزء من المعونة أو تحويلها إلى دول أخرى.
وبدأت واشنطن تفكر في تقليص المعونة العسكرية بسبب تراجع أهمية مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة بعد بروز دول كالإمارات والسعودية. ورغم تراجع المعونة الاقتصادية خلال العقود الماضية، إلا أن المعونة العسكرية استمرت. في نهاية عهد كلينتون، انخفضت المعونة الاقتصادية إلى ما بين 100 و200 مليون دولار، ما أثر على الاقتصاد المصري. ومع ذلك، المعونة العسكرية بقيت تشكل ثلث الميزانية العسكرية المصرية التي تُستخدم لشراء الأسلحة والطائرات.
وعلى نحو مختلف، قررت الخارجية الأمريكية في سبتمبر الماضي إعفاء مصر من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان المرتبطة بالمساعدات العسكرية، ومنح القاهرة المساعدات العسكرية كاملة بقيمة 1.3 مليار دولار لهذا العام دون أي استقطاعات، وذلك من أجل “مصلحة الأمن القومي الأمريكي،” حسب بيان لمتحدث الخارجية الأمريكية. ودائما ما تستخدم الولايات المتحدة ملف حقوق الإنسان والمعونات العسكرية في بعض الأحيان كوسيلة، لتحقيق أغراض محددة من الدول التي لديها مصالح معها وفي أحيان أخرى تقدم مصالح أخرى على الملف الحقوقي كلما اقتضت الضرورة.
المساعدات التي يتم تقديمها إلى مصر تخضع لاتفاقية كامب ديفيد الدولية التى تلزم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم 1.3 مليار دولار سنوية في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية، مشيرًا إلى أنه يتم تقليصها من الجانب الأمريكي لأسباب مختلفة، إلا أن تلك المساعدات غير مرهونة بالحكام والأنظمة، لاسيما أنها ترتبط بالاتفاقية الدولية لكلا من الجانب المصري والإسرائيلي مع الجانب الأمريكي. وتمثل المعونات الأمريكية لمصر 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري.
ويتفق الطرفان على إرساء وتوطيد تلك القضايا بما يحفظ علاقتهما وأمن المنطقة وعلى رأسها القضايا الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد مؤخرًا العديد من التوترات الإقليمية في العديد من الدول العربية، ومصر تتمتع بدور سيادي بين تلك الدول، ما يعزز موقفها أمام الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مع إعلان ترامب خلال حملته الانتخابية أنه يسعى لتهدئة الأوضاع في المنطقة في ظل تهديد المصالح الأمريكية إثر تلك النزاعات، ما يتطلب التعاون المشترك بين البلدين للتخفيف من حدة وتيرة النزاعات المشتعلة.
المخاوف التي يمكن أن تواجهها القاهرة نتيجة تولى ترامب من جديد
وعن المخاوف التي يمكن أن تواجهها القاهرة نتيجة تولى ترامب زمام الحكم من جديد، ووجود توقعات بغياب الدعم الأمريكي للقضايا الاستراتيجية التي تهدد المصالح المصرية، فأن التوترات التي تشهدها المنطقة تدع كافة القوى الكبرى في العالم متمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها إلى الحرص على مساندة مصر وتقوية دورها الإقليمي، بما يمثل التوازن المطلوب للمنطقة، خاصة في الوقت الحالي التي تشتعل فيها المنطقة بالنزاعات والحروب.
أما عن الجانب الاستثماري، فإن مصر والولايات المتحدة تلتزمان في العمل على تقوية التعاون الاقتصادي الثنائي من أجل المنفعة المتبادلة، بما في ذلك من خلال توسيع التجارة، وزيادة استثمارات القطاع الخاص، والتعاون في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا المناخ.