خواطر مسافر إلى النور (٢٠٨)
” المسيح دان الخطية في الجسد“ رومية ٨ (٢/٢)
نستكمل الجزء الثاني من المقال ونبدأ بالآية (رومية ٨: ١١)، لأنها تلخص شرح المقال الأول:
” 11 وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم“
شرحنا في المقال الأول كيف أن الشيطان أستعبد طبيعة الإنسان بسلطان ”موت الخطية“ وأن المسيح الحياة دخل كيان الإنسان بالتجسد فهرب الموت خارجاً . فتجددت الطبيعة البشرية بالانتقال من عبودية الشيطان بالموت، إلى حرية أبناء الله بالحياة في المسيح. وتفاصيل هذا الشرح نوجزه بالقول:
أن المسيح له المجد عندما تجسد، لبس جسد آدم بعد السقوط، لذلك واجه الموت المُمسِك بجسد آدم الذي انفصل بالخطية عن حياة الله، وبالتالي فإن المسيح ذاق/ جاز/ تمَّمَ الموت بالجسد لأجلنا.
ولأن المسيح هو الله أصل الحياة، لذلك طرد الموت من الجسد وأقامه - ونحن فيه - بطبيعة إنسانية جديدة تأسست أول ما تأسست في ناسوت المسيح الخاص به. ووهبها نعمة مجانية لكل من يؤمن ويعتمد.
إن النتيجة المنطقية لاتحاد لاهوت المسيح بالناسوت، أن المسيح في لحظة الحبل به في بطن العذراء داس موت الخليقة العتيقة التي يلبسها الإنسان بالولادة من آدم الأول (والعذراء من نسل آدم الأول بالضرورة).
وبموت الصليب والقبر خلع المسيح الخليقة العتيقة كاملاً، وقام في خليقة جديدة للإنسان الجديد هي جسد القيامة خلُّواً من الخليقة العتيقة ” لأننا نعلم أنه إن نُقِض بيت خيمتنا الأرضي (الخليقة العتيقة)، فلنا في السماوات بناء من الله (جسد القيامة/الخليقة الجديدة في المسيح)، بيتٌ غير مصنوع بيد، أبدي“ (١كورنثوس ١:٥)
ونحن - بالإيمان والمعمودية - نلبس تلك الخليقة الجديدة للإنسان الجديد، نلبسها فوق الخليقة العتيقة التي لبسناها بالولادة من آدم الأول
” فإننا في هذه (أي الخليقة العتيقة) أيضاً نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها (فوق الخليقة العتيقة) مسكننا الذي من السماء (الخليقة الجديدة). 4 فإننا نحن الذين في الخيمة (الخليقة العتيقة) نئن مثقلين … نريد أن نلبس (الخليقة الجديدة) فوقها، لكي يُبتَلَع المائت من الحياة .......................(كما حدث في قيامة المسيح)“ (١كورنثوس ٢:٥-٤)
فلابد أن تموت الخليقة العتيقة بموت القبر ثم نخلعها في اليوم الأخير عند القيامة العامة للأموات حينئذ نقوم بجسد نوراني وطبيعة بشرية جديدة هي جسد قيامة المسيح.
فالكنيسة الأرثوذكسية في الشرق المسيحي تؤمن بوراثة البشر”موت الخطية“ أي الموت الذي تسبب من خطية آدم . وبالتالي فإن الخلاص المسيحي في الإيمان الأرثوذكسي هو أساساً غلبة على الموت وانتصار للحياة في المسيح. وأن غفران الخطايا هو نتيجة لزوال سلطان الموت علينا: ”والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا“ (صلاة القداس).
لقد أكتمل خلاص الإنسان في بشرية المسيح كباكورة للبشرية كلها، وتتحقق فينا منذ الآن روحياً ”بالقيامة الأولي“ ( رؤيا ٥:٢٠-٦) من ”موت الخطية“ وسلطان الشيطان ”الحق الحق أقول لكم: إنه تأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات ( بالروح ) صوت ابن الله، والسامعون يحيون (من الآن) “(يوحنا ٢٥:٥).
ثم جسدياً ”بالقيامة الثانية“ في اليوم الأخير بخلع الإنسان العتيق ” لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته،29 فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة“ (يوحنا٢٨:٥).
لقد ظنَّ الشيطان أنه قوي بسبب سلطان”الشر المُلبِس الموت“ ( القداس)، لكن لأن ”الله محبة “ ولأن حبه مُلِبسٌ للحياة لذلك فإن ” المحبة قوية كالموت“ (النشيد ٦:٨). هذا الشرح هو مضمون عدد ١١ الذي بدأنا به المقال ” وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم“. وكما تقول لغتنا الدارجة ”إن الله غالب“.
ثم نأتي إلى شرح عدد ١٧،١٦
"16 الروح نفسه أيضا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. 17 فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله ووارثون مع المسيح. إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضا معه.“ (رومية ٨)
لقد شرحنا العددين في المقال السابق ونضيف ما يلي:
الله وحده هو القدوس وليس غيره. وهو سبحانه يعطي نعمة القداسة مجاناً لأنها ليست إمكانية بشرية بل نعمة إلهية مهما كان استحقاق الجهاد الروحي. تماماً مثلما الميراث هو نعمة مجانية. فالمسيح أورثنا قداسته من خلال شركة التجسد ”من أجلهم أُقدِّس أنا ذاتي“. المسيح وهبنا فيه التبني لله أبيه، فجعلنا ورثة لقداسة الله فيه ”فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ”.
وكما أننا أولاد آدم الأول بالميلاد الجسدي فقد لبسنا جسد آدم. فورثنا بالتالي ”موت الخطية“ الذي دخل طبيعته بالسقوط. ولأن المسيح صار آدم الثاني عندما لبس جسدنا لذلك نحن ورَّثنا حياته عندما قام بجسدنا.
ونعود لتكملة شرح آية ٣ الذي بدأناه في المقال الأول، و نشرح هذا المقطع المتبقي من الآية :
” فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد“
فنقول إن الآية هي استعلان صريح عن دينونة المسيح للشيطان على الصليب عندما عُلِقَ عليه بالجسد.
ولشرح دينونة المسيح للشيطان وكيف تحققت بالتجسد والصليب نقول إن المسيح لم يكن ليجوز الموت بالجسد ”ذاق الموت“ لو لم يكن قد حمل خطية الإنسان في جسده - رغم قداسته - أي ” في شبه جسد الخطية “. وقد تكرر هذا المعني في آيات أخري من الكتاب:
” لأنه جعل الذي لم يعرف خطية ، خطية لأجلنا ، لنصير نحن بر الله فيه“ (٢كورنثوس ٢١:٥)
” مَن إلتصق بالرب فهو روح واحد“ (١ كورنثوس ١٧:٦) وينال من الرب التبرير (التطهير)، والبر (القداسة)، والحياة . و مَن إلتصق بالخطية صار خطية واستحق الموت ”من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول: «يكون الاثنان جسدا واحدا»“.
وبهذا فقد أنتهي العصر الذي فيه كان الشيطان يصول ويجول بسلطان الخطية والموت ويستعبد به الإنسان الخاطئ. فالمسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ فتح باب الخلاص للإنسان بعدما ذاق موت الإنسان علي الصليب ، ومن ثمة دخلت الحياة إلي بشرية الإنسان. وإن غلبة حياة المسيح علي موت الخطية في الإنسان فتح باب التوبة للإنسان إلى الأبد وأغلق الباب أمام شكاية الشيطان ضد الإنسان بدعوي أنه خاطئ مستحق الموت. بالتالي فَقَدَ الشيطان أي سلطان على الإنسان.
وعن ذلك قال المسيح ربنا: ”رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء“ (يوحنا ٣٠:١٤).
فهذه هي دينونة المسيح للشيطان في أي شكاية له ضدنا. فالمسيح أسقط كل دعوي وشكاية للشيطان ضد الإنسان إذا وقع في خطية. وعن هذا قال المسيح أيضاً:
” أن رئيس هذا العالم قد دين“ (يوحنا ١١:١٦)
وهذا ما أكده الكتاب في (رومية ٣:٨) موضوع مقالنا هذا، بأن المسيح ”دان الخطية في الجسد“.
وتأسيساً على ما سبق، فإذا تجرأ الشيطان وظنَّ أن له أي سلطان علي الإنسان الواقع في الخطية كما كان الحال قبل تجسد المسيح، وأن الإنسان لا يستطيع أن يتحرر في المسيح من عبودية الشيطان وموت الخطية، فإن علامة الصليب ُمشهَرَة في وجه الشيطان بدينونة المسيح له وهي كفيلة أن تقهره بمجرد أن نتوب.
هذا هو الأساس والسلطان الذي عليه وبه نري الآباء وكل من فيه روح المسيح ينتهرون الشيطان المتسلط علي البشر. إنها موهبة المسيح لنا بالروح القدس لدينونة الشيطان.
وأما الذين لا يؤمنون بالمسيح ولم ينالوا الروح القدس بَعد، فإن الروح القدس يظل يبكتهم إلى أن يرجعوا ويقبلوا نعمة الإيمان المجاني بالمسيح وينالوا سلطان الروح القدس لدينونة الشيطان.
هذا ما صرح به الرب يسوع المسيح له كل المجد:
”متي جاء ذاك (الروح القدس) يبكِّت العالم علي دينونة لأن رئيس هذا العالم قد دين “
فالروح القدس يبكتنا على أن المسيح أدان سلطان الشيطان علينا وألغي عبوديته لنا
بينما نحن لازلنا غافلين عن قبول سلطان المسيح المحيي.... والسُبح لله.