آه لو أدرك الإنسان
آه لو أدرك الإنسان أن صلاته هذه التي يجاهد أن يرفعها أمام الآب، ما هي إلا عملية أخذ من الله بفيض يعجز العقل أن يصوغها في كلمات. أن الإنسان حينما يقوم بمواجهة نفسه، مواجهة حقيقية، يجد أن الصلاة شيئا ثقيلا على قلبه بل وفي بعض الأحيان شيئا مرفوضا. لأن الإنسان يخدع ذاته بتوهمه أنه يعطي لله. يعطيه وقتا للصلاة، يعطيه مجهودا، يعطيه طاقة.....يا لشقاء هذا الإنسان الذي لا يمتلك شيئا!! الواهم انه يعطي زمنا لمن خلق الزمن بل ومن أخضعه وحدد بنفسه ميعاد مجيئه ودخوله بل وخضوعه لهذا الزمن. حقا أن الإنسان لا يمتلك شيئا لكي يعطيه لله، بل في محضر الله يأخذ الإنسان من الله، كل فرح، كل سلام بل وكل طمأنينة.
آه لو أدرك الإنسان أن بر المسيح أعطانا الجرأة أن نقف امام الآب بكل ثقة ويقين. لقد وقف المسيح يصلي للآب لكي بصلاته يكمل كل نقص في صلاة الإنسان. من هو الإنسان حتى يستطيع أن يقف أمام الآب لكي يصلي؟؟ اقول نعم، نستطيع أن نقف أمام الآب ونصلي باسم المسيح. فالآب لا ينظر إلا لإبنه يسوع المسيح الذي فينا. لذلك تختم الكنيسة الصلاة الربانية بعبارة "بالمسيح يسوع ربنا “. فيقبل الآب صلاتنا لانها مرفوعة بإسم ابنه يسوع المسيح. لذلك نحن لا نصلي إلا للآب باسم ابنه يسوع المسيح في الروح القدس. فالروح القدس هو من يأخذ كل ما للمسيح ويعطيني (يو 14). آه لو أدرك الإنسان اننا بصلاتنا ندخل بل ونشترك مع الثالوث القدوس.
آه لو أدرك الإنسان أن الكتاب المهمش في حياته، واقصد الكتاب المقدس، هو الكتاب الوحيد القادر على تغيير "سوفت وير" عقله!! يجري ويلهث الإنسان باحثا عما يريح قلبه وعقله، وهو لا يدري أن بين يديه أنفاس الله. نعم ان الكتاب المقدس هو أنفاس الله. فكلما يقترب الإنسان من الكلمة المكتوبة يستعلن له الكلمة المتجسد. ولكن أين نحن من أنفاس الله؟؟ للأسف إن سياسة تسديد الخانات هي السياسة التي يتبعها الإنسان في تعامله مع أنفاس الله. انه يسدد يوميا الخانة الخاصة بقراءة الكتاب، فيفرح الإنسان بإنجازه هذه المهمة يوميا، لإراحة ضميره، حارما نفسه من استعلان الكلمة المتجسد له من خلال كلمات الكتاب المقدس.
آه لو أدرك الانسان انه موضع لذة لله. نعم لا تتعجب عزيزي القارئ، فالله يتلذذ بالإنسان، فيقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "فرحة في مسكونة أرضه، ولذاتي مع بني آدم" (أم ٨: ٣١). نعم ان الله لا يدعونا الي العلاقة معه كنوع من الواجب بل انها علاقة أساسها الفرح واللذة. لا يتلذذ الإنسان بالله فحسب، بل الله أيضا يتلذذ بالإنسان.
متي يدرك الإنسان كل هذا؟ للأسف من يساعد الإنسان على الإدراك هو الروح القدس ولكن هل الروح القدس مازال مشتعلا في الإنسان؟ أم تحقق فيه تحذير الرسول بولس: "لا تطفئوا الروح"؟ (١ تس ٥: ١٩). أن ما يمر به العالم اليوم من ضيقات وأوبئة وأمراض وحروب، ما هي إلا دعوة للإدراك!! بل هي صرخة تصرخها ملائكة الله في السموات بل و كل السمائيين متعجبين من حال الإنسان الذي لا يدرك ما هو فيه، لأنه للآسف يظن أن النعمة الإلهية حق بشري مكتسب.