حينما تجمح الشعوب
إن ما يحدث في العالم من احداث كثيرة وصراعات متلاحقة منذ بدء الخليقة حتى الآن ما هو إلا تفسيرا حرفيا وترجمة معاشة لما قال عنه الوحي الإلهي بإعلانه إننا في حالة حرب. نعم حرب روحية و شرسة جدا. حرب يقودها ابليس وجنوده الرديئة. يقول بولس الرسول :" فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. " (أفسس ٦: ١٢).
إن هذه الحرب بدأت منذ اللحظة الأولي التي سقط فيها ابليس. ابليس لا يري له هدفا الا تدمير البشرية وتدمير الإنسان. انه قاس جدا و"قتالا للناس منذ البدء" (يو ٨: ٤٤). انه سارق ولص وكما قال الرب يسوع انه "لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ " (يوحنا ١٠: ١٠). انه يريد أن يسلب سلامك .. فرحك.. امانك .. هدوءك .. صحتك.. علاقاتك مع الآخرين .. طموحاتك وأهدافك. إن من أهداف ابليس العظيمة هو الأسرة، فهو يريد أن يدمر الأسر والعائلات. انظر حولك فستجد إن اغلب استراتيجيات ابليس تتجه نحو تدمير الإنسان وتدمير العلاقات الجيدة وذلك بالسيطرة علي ذهن الإنسان. فعقل الإنسان هو ارض المعركة التي يحاول ابليس بكل ما عنده من قوة ان يسيطرعليها. فقد يهاجم الذهن بالشكوك والتخيلات الشريرة التي تعجز الإرادة والقوة الذاتية على طردها. انه أيضا يصيب النفس بالإحباط والخوف واليأس فتبدو الحياة قاتمة السواد وليس فيها امل. فهذه كلها ليست إلا مجرد لمحة بسيطة عن ابليس وعن ماذا يريد منا وعن قوته.
إن من يقيد تحت سلطان ابليس مسلما نفسه وذهنه وارادته له ، هو إنسان يدعونا حقا الي ان نشفق عليه. حتى لو تظاهر هذا الإنسان بالفرح والسعادة والإنطلاق لكنه في واقع الأمر يكون ذليلا ومستعبدا. بل يكون انسانا ضعيفا جدا وهشا مهانا، هو يهين جسده بنفسه وتهان نفسه معه أيضا ويهان عقله حتى يسلم إلى ذهنا مرفوضا (رومية ١: ٢٨). ولكن أين هو الحل؟
لقد حسم يسوع المعركة مع ابليس حينما واجهه فوق الجلجثة وانتصر عليه. نعم الرب انتصر. لقد رفع الرب رأسنا أمام كل مملكة ابليس ودعانا كل يوم أن نتمتع بنصرته. إن يسوع يحرر .. يحرر من كل قيد وضعه ابليس علي الذهن .. يحرر من كل إنسان مقيد ويريد الإطلاق. لقد أعلن ذلك بنفسه حينما قال : " رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ " (لو٤: ١٨، ١٩ ).
يسوع يشفي .. يشفي كل جرح من ابليس.. يسوع يشفي العيون التي اعماها ابليس لكي تبصر خلاص الرب.. يسوع يشفي كل آذان اتلفها ابليس وباتت لا تسمع إلا صوته وصوت العالم.
عزيزي القارئ، لنا دورا كبيرا جدا في احداث هذا الزمان، فبدلا من التصريحات والمناقشات والتحليلات لهذه الصراعات، نرفع قلوبنا للسماء من أجل من قيدهم ابليس. نصلي بكل الحب من أجل أن يدرك هؤلاء المسبيين أن لنا إلها محررا شافيا ومخلصا. كما نصلي من أجل نفوسنا وبيوتنا وعائلاتنا ونطلب تقديس الذهن وإن يملك الرب عليه وان يكون هو السيد والملك.
اخيرا لم ولن نعرف من هو إبليس وما هي خططه، كذلك لن ندرك عمل المسيح المخلص لنا إلا حينما تكون لنا علاقة شخصية مع الكلمة. لأن الكتاب يعلنها بوضح انه: "بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ، أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ " (الأمثال ٢٩: ١٨). فبدون الرؤيا اي بدون الإعلان الكتابي ستجمح الشعوب. أما كيف نصارع ونحارب ابليس وما هي اسلحتنا في هذه الحروب، فهذا ما سنراه في العدد القادم إن احبت نعمة الرب وعشنا.