حقيقة الخمر في المسيحية (1)
هل الخمر حلال أم حرام في المسيحية؟ ... كثيرا ما نجد هذا التساؤل مطروحًا للمسيحيين، وكأنهم يعيشون حياة السُكر، ولكن تعال عزيزى القارئ لنعرف الإجابة.
الإجابة القاطعة لــ "حلال" أم "حرام" هي أن المسيحية تمنع وتُحرم أى شئ يجعل العقل مُغيبًا ويضر بصحة الإنسان وحياته الروحية ومستقبله الأبدى. ولتسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لك العرض الأكاديمي لموضوع الخمر. جاءت كلمة الخمر فى العهد القديم فى ثلاثة كلمات بمعانٍ مختلفة:
الكلمة الأولى هي "يَاين"، وهكذا تُنطق بالعبرى وهذه الكلمة جاءت ١٤٠مرة فى العهد القديم ومعناها "عصير الفاكهة" وهى خالية من الكحول. فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد هذه الكلمة فى بركة أبينا يعقوب لإبنه يهوذا "يَهُوذَا، إِيَّاكَ يَحْمَدُ إِخْوَتُكَ، يَدُكَ عَلَى قَفَا أَعْدَائِكَ، يَسْجُدُ لَكَ بَنُو أَبِيكَ. يَهُوذَا جَرْوُ أَسَدٍ، مِنْ فَرِيسَةٍ صَعِدْتَ يَا ابْنِي، جَثَا وَرَبَضَ كَأَسَدٍ وَكَلَبْوَةٍ. مَنْ يُنْهِضُهُ؟ لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ. رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ، غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ، وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ. مُسْوَدُّ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْخَمْرِ، وَمُبْيَضُّ الأَسْنَانِ مِنَ اللَّبَنِ." (تك 49 : 8 - 12).
الكلمة الثانية هى "تيروش" وقد جاءت ٣٢ مرة في العهد القديم وهي تعني شيئا يؤكل مثل العنب المُجفف والفاكهة المُجففة وهى كثيرًا ما تم استخدامها للبركة مثلما قيل لبنى اسرائيل أن يعطوا البركة لكهنة الرب "وَهذَا يَكُونُ حَقُّ الْكَهَنَةِ مِنَ الشَّعْبِ، مِنَ الَّذِينَ يَذْبَحُونَ الذَّبَائِحَ بَقَرًا كَانَتْ أَوْ غَنَمًا. يُعْطُونَ الْكَاهِنَ السَّاعِدَ وَالْفَكَّيْنِ وَالْكِرْشَ. وَتُعْطِيهِ أَوَّلَ حِنْطَتِكَ وَخَمْرِكَ وَزَيْتِكَ، وَأَوَّلَ جَزَازِ غَنَمِكَ. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِكَ لِكَيْ يَقِفَ وَيَخْدِمَ بِاسْمِ الرَّبِّ، هُوَ وَبَنُوهُ كُلَّ الأَيَّامِ." (تث 18 : 3 - 5). وكلمة خمر هنا هى تيروش وهى جاءت كعطية البركة وكلمة تيروش تعنى الخمر الخالية من الكحول لأنها عنب أو فاكهة مُجففة.
الكلمة الثالثة هى "شِيكار" وقد جاءت 42 مرة فى العهد القديم وتعنى شراب العنب المُسكر وإرتبطت هذه الكلمة بالويل مثلما جاء "وَيْلٌ لإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمَ، وَلِلزَّهْرِ الذَّابِلِ، جَمَالِ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنِ، الْمَضْرُوبِينَ بِالْخَمْرِ...وَلكِنَّ هؤُلاَءِ أَيْضًا ضَلُّوا بِالْخَمْرِ وَتَاهُوا بِالْمُسْكِرِ" (إش 28 :1 - 7)، فالنتيجة لهؤلاء السُكَارَى يقول: "يُمْحَى عَهْدُكُمْ مَعَ الْمَوْتِ، وَلاَ يَثْبُتُ مِيثَاقُكُمْ مَعَ الْهَاوِيَةِ. السَّوْطُ الْجَارِفُ إِذَا عَبَرَ تَكُونُونَ لَهُ لِلدَّوْسِ" (إش 28: 18)، والجدير بالذِكر أن كلمة سُكَارَى في الأصل العبري تنطق "شيكوريه"... أما في العهد الجديد جاءت الكلمة اليونانية "إينوس" لتعنى "خَمْر".
إذا يجب على كل قارئ وكل دارس للكتاب المقدس ألا يقتطع الكلمة من السياق وبالتالي لا يصدر أحكاما مطلقه بتحليل أو تحريم الخمر أو أي شيئا وآخر دون دراسة ومعرفة المعنى الحقيقي للكلمة. وعلى كل حال، أكرر ما سبق وقلته أن المسيحية ترفض أي شيء يضر عقل وحياة ومستقبل الإنسان وحياته الابدية. إن دراسة موضوع الخمر، وغيره من المواضيع الأخرى، هي دعوة صريحة للرجوع إلى اللغات الأصلية التي استخدمت في كتابة الكتاب المقدس.
والسؤال الآن: هل أمر الكتاب المقدس بشرب الخمر الْمُسْكِر؟ وهل أعطى بولس الرسول لتيموثاوس تصريحا بشرب الخمر؟ هذا ما نراه في العدد القادم إن أحبت نعمة الرب وعشنا.