مجد الإنسان
لقد تجسد الرب يسوع لكي يؤلهنا وأن هذا هو كمال الحب الإلهي تجاه البشرية. لقد جاء المسيح لا لكي يؤسس ديانة بل لكي يكون هو الطريق ذاته. ان المسيحية هي طريق التأله، وقد أتي المسيح إلينا في الجسد وتأنس أي اتخذ الطبيعة الإنسانية لكي يعطينا حياته. وقد إهتم اللاهوت الشرقي في القرون الأولي بموضوع التأله، وان هذا التأله هو الهدف الأساسي لتجسد المسيح. وقد لخص الآباء هذه العقيدة وذلك بتكرارهم بأشكال مختلفة العبارة المشهورة: "صار الله إنسانا، لكي يصير الإنسان إلها."
ففي هذا المقال أحاول ان أوضح ما هو التأله من منظور كتابي آبائي.
التأله لفظ كتابي:
إن عقيدة أو لفظ التأله هو فكر كتابي أي له جذور وأصول كتابية. فلم يخترعه الآباء بل تعلموه وعاشوه فعلموه لنا. ففي سفر المزامير يقول المرتل: (أَنَاقُلْتُ: إِنَّكُمْ آلِهَةٌ وبَنُو الْعَلِيِّ كُلُّكُمْ. سفرالمزامير6:82)
وأيضا: ربنا يسوع المسيح نفسه استخدم هذا اللفظ:
أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ مَكْتُوبًا فِي نَامُوسِكُمْ: أَنَاقُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ 35 إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَيُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ» (إنجيل يوحنا34:10-35).
وقد فسر القديس اثناسيوس عبارة (كلمة الله) في الأية السابقة على أنها تشير إلى اللوغوس (أقنوم الكلمة) الذي حل بيننا متجسداً واعتمد على هذه الأية في كتاباته ضد الأريوسيين. (ضد الأريوسيين 1: 39). وبناءاً على تفسير القديس أثناسيوس للآيه السابقة، فهو يشرح في كتاب تجسد الكلمة ما قدمه المسيح للبشرية:
[ينبغي أن يُعرف هذا أيضاً، أن الفساد الذي جري لم يكن خارج الجسد، بل كان ملتصقاً به، وكان الأمر يحتاج إلى أن تلتصق بها لحياة بدلاً من الفساد، حتى كما صار الموت في الجسد تصير الحياة في داخل الجسد أيضاً. لهذا السبب كان من الصواب أن يلبس المخلص جسداً إذا اتحد الجسد "بالحياة" لا يعود يبقي في الموت كمائت، بل إذ قد لبس عدم الموت فإنه يقوم ثانية ويظل غير مائت فيما بعد. ولأنه كان قد لبس الفساد، فإنه لم يكن ممكنا أن يقوم ثانية مالم يلبس الحياة.] (تجسد الكلمة فصل ٤٤، ص ١٢٩- ١٣٠)
هذا هو هدف مجئ الكلمة في الجسد، وهو تقديس الإنسان واشتراكه في الحياة الإلهية.
فكما قال القديس بطرس: (شركاء الطبيعة الإلهية) بطرس الثانية ١: ٤: «اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا {بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ} هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ.»
والجميل أننا نصلي ليتورجيا بهذا المفهوم الكتابي والمشروح آبائيا، فنصلي في ثيؤطوكية الجمعة قطعة 4: «هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له»
فقد أعطانا الله أننا نكون شركاء الطبيعة الإلهية (بالنعمة)، ولكن في ابن وحيد الجنس هو يسوع المسيح وهو إله من نفس جوهر الآب (بالطبيعة)، لكن الله قد تبنانا لنكون أولاده بالتبني (وليس بالطبيعة بل بالنعمة). هذا هو عمل المسيح للنفس وداخل النفس البشرية.
اذاً فالمسيح الرب هو مخلّصنا لأنه هو الإله الإنسان. في شخصه يصير الإله إنساناً ويصير الإنسان إلهاً. بشخصه الإلهي الإنساني يشكّل المسيح الرب أعجوبة مزدوجة: أنسنةَ الله وتأليهَ الإنسان. هذا هو الخبر السار، خلاصة مجمل العهد الجديد.
يا لمجدك أيها الإنسان المتأله والمتلألئ بحياة المسيح فيك.