خواطر مسافر إلى النور (٢٢٠):
منهج المسيحية في الإصلاح الكنسي
خيط رفيع بين أزمة سمينار المجمع.. وبين اعتبارها أزمة الكنيسة جسد المسيح
المسيح ”ابن الله“ و”أبن الإنسان“ قد خَتْم ثلاث وثلاثين سنة هي سني تجسده علي الأرض بتدبير يصلب العقل، إذ سمَّروه علي خشبة ومكث ثلاثة أيام في القبر وبعد ذلك قام من بين الأموات وصعد إلي الآب. إن سيرة المسيح خلال تجسده هي -وبالضرورة - الأيقونة التي تلخِص سيرة الكنيسة المسيحية عبر تاريخها البشري ”تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته“ .
العجيب في سيرة الرب أن العين لا تلمح فيها انتصارًا ساحقًا يلحق هزيمة نكراء بالأعداء كما في تاريخ الإسلام مثلًا أو بعض أنظمة أيدلوجية ظهرت في تاريخ البشرية.
فالمسيح له المجد تجسد ليقهر أعداء داخل الإنسان وليس خارج الإنسان. لقد قهر العدو الشيطان داخل كيان الإنسان وأبطل سلطانه الشرير:
"لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته، إن لم يربط القوي أولا، وحينئذ ينهب بيته."
فالرب جاء ليخوض معركة كيانية في بشريتنا التي لبسها عندما تجسد ”من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم مقدسين في الحق“ .
بالتالي فإن المسيحية ليست ديناً لأنها ليست فكر يستهدف العقل أساساً، بل المسيحية ارتباط بشخصٍ هو المسيح ”الله ظهر في الجسد“ جاء قاصداً كيان الإنسان ليفتقده :” ها أنذا واقف علي الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي“ .
إن ”كلمة الله“ في المسيحية شخصٌ، هو ”أبن الله“ الحيّ المُحيِّي. وقد نزل من السماء ليمكث معنا ويكون فينا كيانياً إلى الأبد ”والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا“.
لقد أكد الرب أن ”كلمة الله“ ليست كتاباً نحفظه عن ظهر قلب أو حروفاً قد تبدِّلها يدُ بشرٍ بل ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة“. فعندما نتقابل ونقبل شخص المسيح ”كلمة الله“ في كياننا، يَطرد العدو الشرير ويطهرنا : ” أنتم الآن طاهرون من أجل الكلام الذي أكلمكم به“. ومن ثمَّة ندخل حياة الشركة مع الثالوث القدوس: أجاب يسوع وقال له: «إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا.“
هذا هو ”سر المسيح“ الذي صار فينا نحن المسيحيون ”سر الكنيسة" أن ”كل مجد أبنة الملك مِن داخل“ لذلك قد يقول قائل إن الشر لم يزول من العالم بمجيء المسيح. ففي التجربة علي الجبل ”تركه المجرِّب إلى حين“. ولكن المسيح قال ”رئيس هذا العالم (أبليس) يأتي وليس له فيَّ شيء“
فإن كان الشر والشرير موجود حولنا، ولكنه ليس فينا ”أنتم الآن طاهرون من أجل الكلام الذي أكلمكم به“. لأن طبيعتنا تجددت عندما لبسنا الطبيعة البشرية الجديدة التي أسسها المسيح يسوع في ناسوته بالتجسد. وسنظل نحن كنيسة المسيح جسده ومن لحمه وعظامه كيانياً، أما خارجاً فلا نستغرب وجود الشرير وشروره فنراه، حتي أحياناً في مؤسسة الكنيسة نفسها كما حدث في أزمة سمينار المجمع لكن ليس فينا: ” أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر». طوبى للذين يصنعون وصاياه لكي يكون سلطانهم على شجرة الحياة، ويدخلوا من الأبواب إلى المدينة، لأن خارجا الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان، وكل من يحب ويصنع كذبا. “ (رؤيا ٢٢)
إن تبعية المسيح هي انتصار كياني داخل الإنسان في الأساس. فسلامنا وفرحنا نابعٌ من المسيح الذي فينا وليس مرتهنًا بسراق ولصوص يفتعلون أزمات في الكنيسة حولنا.
هذا المقال هو لإلقاء الضوء على منهج المسيحية في الإصلاح الكنسي عندما يقترب الفساد جداً مثلما علقوا المسيح على الصليب، بينما هو الحياة. هكذا نحن أيضاً في كل عمل إصلاح كنسي نقوم به، لا يتزعزع انتماؤنا والتصاقنا بالمسيح لأن ثباتنا في المسيح كيانياً ولا يأتينا من خارج. فالمسيح كياننا ”المسيح فينا رجاء المجد“.
نحن كنيسة المسيح، جسده وشعبه، من لحمه وعظامه. والمسيح ”رئيس الكهنة الأعظم“ وهب ”الكهنوت الملوكي“ لنا نحن شعبه وأعطي رجال الإكليروس كرامةً أيضاً أن يخدموا أسرار ذلك الكهنوت ، كهنوت المسيح .
والكنيسة بهذا الترتيب الإلهي، شعباً وإكليروساً، لها أن تصلح اعوجاجا قد يبدو فيها من حين لآخر، دون أن يطال كيانها المسيح فينا. وأن تعزل ذئبًا تسلل خِلسةً بين خدام أسرار كهنوت المسيح الذي في شعبه ... والسُبح لله