غادة ملك تكتب: هل يغزو الإنياجرام المقدس الكنائس؟
يعج زماننا بكم هائل من الأيديولوجيات،، يتسم كثير منها بقدر ظاهر من التخبط،. فهؤلاء چندريتهم لا تتصف بالذكورة ولا بالأنوثة، وأولئك ليسوا ملحدين ولكن لا يؤمنون بأية عقيدة، وفصيل ثالث يرتل التراتيل المسيحية بصبغة التواشيح الإسلامية … وهكذا.، أصبح كل شئ خليطاً،، وأصبحت جميع الأمور وسطاً وبدأت هوية كل الأشياء في الأضمحلال. وفي وسط هذا الزخم الفكري أصبح من السهل أن تختلط علينا الأمور وأن نقع فريسة لأي فكر غريب إن لم نمتحن الأرواح.
وقد بدأنا نسمع في الآونة الأخيرة عن علم جديد، أو بتعبير أدق عن شبه علم، يغزو الكنائس بمختلف طوائفها، وينتشر بين روادها كالنار في الهشيم، يسمى بالإنياجرام، أو علم تحليل الشخصية، والذي يقسم البشر الى تسع أنماط من الشخصيات أو "الإنياتايبس". وبدراسة تلك الأنماط يصبح الفرد أكثر معرفة بنقاط القوة والضعف في كل منها و أكثر قدرة على التعامل معها..
قد لا أهتم كثيراً إن تم طرح تلك الدراسة في مجال العمل، فالعمل لا علاقة له بالروحيات ولا يدعي رؤساء العمل أنهم يقودون الشعوب نحو الخلاص، ولكن أن تقوم الكنائس بتدريسه، و أن يتم ربط أنماط الشخصية بثمار الروح القدس،، فتلك قفزة هائلة تضفي عليه صبغة قدسية، وهي تماماً ما أثار فضولي لأن أعرف أكثر عن هذا التعليم… كيف نشأ، وهل فعلاً له أصول مسيحية،، خاصة وأننا لم نسمع قبلاً عن فكرة أن كل منا يتمتع بثمرة واحدة من ثمار الروح القدس تدور حولها شخصيته، بل أن ثمار الروح القدس متاحة بأكملها لكل إنسان مسيحي معتمد من الماء والروح بحسب إجتهاده.
تاريخ الأنياجرام
تدور فكرة الإنياجرام حول مضلع مكون من تسع أضلاع، كل منها يمثل نمطاً من أنماط الشخصية. وقد كان أول من قدم لنا ذلك المضلع في أواخر القرن التاسع عشر دون ربطه بسمات الشخصية، هو اليوناني الأمريكي چورچ غوردجييف، الذي ولد أرثوذكسياً ولكنه ترك المسيحية ومن خلال رحلاته تأثر بالصوفية وبعض الأفكار الأخرى التي تتعلق بعالم الروح. وقد وصف غوردجييف المضلع على أنه شكلاً مقدساً من خلاله نعرف حقيقة الكون. قام من بعده تلميذه بيتر أوزبنسكي، الروسي الأصل، بإضافة ثلاثة مكونات للشكل المقدس هي العقل والقلب والغريزة. وقد تم نشر كتبه بعد وفاته مما أوجد له أتباع جدد، كان من بينهم أوسكار أوشازو الذي قام فيما بعد بتأسيس مدرسة ARICA في ستينيات القرن الماضي، والتي كانت معنية بالنهوض بالوعي الكوني. ويعد أوشازو هو أول من أطلق فكرة ربط الشكل المقدس بأنماط الشخصيات لكنه لم يحدد عددها أو أنواعها. وقد وضح اوشازو إنه تلقى تلك المعرفة أثناء تقمصه لروح تسمى "المتروتون". ومن خلال مدرسته تخرج أتباع عديدين من بينهم كلوديو نارانچو الذي أصبح شخصاً ذا شأن كبير في أكاديمية ESALAN التي تخصصت في تدريس ديانة ال New Age، وكان أوسكار نارانجو هو من أسس التسع أنماط من الشخصيات، وقد شرح في أحد لقاءاته أن تعاليمه كانت تتسم بالسرية غير أن بعض محبي الظهور نشروها، كما قال أنه قد أعطى تصريحاً لأحد تلامذته، وهو القس اليسوعي بوب أوكس نشر تعاليمه بين مجموعة مختارة من رجال الدين اليسوعيين في سبعينيات القرن الماضي. وهكذا بدأ الإنياجرام افي اختراق لكنائس الغربية حيث تداوله آخرون أشهرهم كان القس الفرنسيسكاني ريتشارد رور صاحب كتاب "الإنياجرام من المفهوم المسيحي" والذي تم نشره عام ١٩٩٥، ثم دون ريزو الذي وصلته تدوينات بوب أوكس عن طريق الخطأ، فبدأ في كتابة الكتب ثم قام بإنشاء معهد لتدريس الإنياجرام The مع شخص آخر هو روس هادسون
ربط الإنياجرام بالمسيحية والديانات القديمة حاول البعض إضفاء صبغة شرعية على الإنياجرام فروجوا للإدعاء بأن أصوله ترجع للقرنين الثالث والرابع الميلادي، وأنها نشأت على يد آباء الكنيسة الذين عاشوا في البرية مثل الراهب إيفاجريوس الذي كتب عن الخطايا الثمانية المميتة،، ولكن هذا الادعاء لم يكن له أساس من الصحة حيث يتمحور كل ما يخص الإنياجرام حول رقم تسعة - كلمة "أنيا" تعني رقم ٩ باليونانية. كذلك فإن الأنياجرم هو أحد أفرع ديانة ال New Age. كما ظن البعض، بناء على تصريحات أوسكار أوشازو و تلميذه كلوديو نارانجو، أنها معرفة تناقلتها الأجيال من الحضارات البابلية والسومرية بالإضافة إلى بعض التعاليم الصوفية ولكن هذا أيضاً اتضح كذبه مع مرور الأيام. ففي عام ٢٠١٠، أقر نارانجو في لقاء مسجل له بأنه هو و أستاذه لم يتلقوا تلك المعرفة عبر آباء الكنيسة الأولين ولا استقوها من الديانات القديمة، وإنما أتتهم عن طريق تقمص الأرواح التي تقودهم الى كتابة ما يملى عليهم فيما أصبح يعرف بالكتابة الأوتوماتيكية. كما استرسل نارانجو قائلاً أنه تمادى في الترويج لذلك الإدعاء عن عمد لما له من بريق يدفع العامة إلى تناقل أفكاره ومساعدتها في الإنتشار.
الإنياجرام المقدس
يعتبر الإنياجرام المقدس هو أهم مرجع يمكن من خلاله التعرف على طبيعة هذا التعليم، وقد كتبه كريستوفر هرتز وقدمه رتشارد رور. وفي الكتاب نجد بعض العبارات المثيرة للتساؤل مثل: " الإنياجرام ليس مجرد اختبار شخصية ولكنه الطريق الى الله." كذلك "إن وجدك الإنياجرام فهو عنيد و لن يتركك" كما يدعي من قرأوا الكتاب أن به تعاليم تتنافى مع المفاهيم الأساسية للإيمان المسيحي عن الخطية والخلاص والغفران و أيضاً عن طبيعة الله، فمثلاً ينكر الكاتب طبيعة الإنسان الساقطة ويدعي أن طبيعة الإنسان جيدة من الأساس، وأن هدف الانسان في الحياة هو معرفة ذاته وأن الإنسان يستطيع تخليص نفسه
وماذا بعد؟
نحن جميعاً نتوق إلى المعرفة،ونبحث عنها أينما وجدت، ولكن هل كل المعرفة هي للبناء؟ بالطبع لا، فشجرة معرفة الخير والشر كانت هي السبب الأساسي في سقوط البشرية. كذلك فإن العرافة والسحر ومعرفة الغيب، والتعامل مع عالم الأرواح، هي أنواع من المعرفة التي قد تعود ببعض الفوائد المادية على أصحابها ولكنها في النهاية تقودهم الى طرق مظلمة. نحن بلا شك نعيش في زمن التخبط ونحتاج لأن نمتحن الأفكار حتى لا نعثر في الطريق أو نكون سبباً في عثرة آخرين
شاهد بالأسفل لقاء في عام ٢٠١٠، يُقر فيه نارانجو في لقاء مسجل بأنه هو و أستاذه أوسكار أوشازو لم يتلقوا تلك المعرفة عبر آباء الكنيسة الأولين، وإنما أتتهم عن طريق تقمص الأرواح التي تقودهم الى كتابة ما يملى عليهم فيما أصبح يعرف بالكتابة الأوتوماتيكية
[video id="hHxUJGK4OqI" type="youtube"]